عن يناير 2011

750

-1-

ثمة أمور لا تبدو مُقنعة، فكيف لثورة أن يُحدّد لها موعد ومكان؟
في بداية 2011 كانت الأمور مستقرة طبيعية، بعض الأحداث الضخمة التي لا تبدو أنها تؤثر جدا في اختلال توازن النظام. حادثة القديسين وحادثة خالد سعيد، بعض المظاهرات هنا وهناك. لا يوحي الوضع بتحركات ضخمة.
في جلسة خاصة جمعت العديد من الأصدقاء في أحد الأماكن العامة بوسط القاهرة يدور الحوار الروتيني الذي بدء خلال الأيام القليلة الماضية، نتقابل في الثورة؟ عملت أتندينج في الثورة؟ الأمور قبل 25 تبدو ساخرة، فالتحركات في الشارع قليلة، أهمها ما كان يحدث بخصوص قضية خالد سعيد وحادثة القديسين، وبعض الإضرابات العمالية المتفرقة،وبعض فاعليات حركة شباب 6 أبريل، وخمول واضح في العديد من التجمعات السياسية.
كانت التوقعات أيضا متواضعة في لقاءات وسط البلد الشبه يومية بين أصدقاء، توقعات بمظاهرة كبيرة في ميدان التحرير كانت أقصى ما يطمح له الجالسون، لم يتوقع أحد أن تتطور الأمور لتصبح ثورة.

-2-

في مقر عملي بالشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، صبحية يوم 25 يناير 2011، الأمور متوترة في منطقة وسط البلد وميدان التحرير. وبعض المخبرين أسفل مقر الشبكة، قرر جمال عيد النزول للميدان، يبدو متفائلا ” بلغني طيب التفاصيل أول بأول يا معلم” لا أذكر جيدا ماذا حدث بعد ذلك فقد كنا نعمل على خريطة تفاعلية تُجمّع تحركات المظاهرات في 25 يناير. لم يبلغني جمال بالتفاصيل أول بأول كما اتفقنا، لكنه نشر تغريدة.

ثم تبعها بأخرى:

كان الجميع يتحرك في كل اتجاه، وبدا الوضع أن الموضوع لن يكون مظاهرة أكبر مما توقعنا وحسب.

-3-

كنت أتابع أخبار التحركات أول بأول على الشبكات الاجتماعية، على وجه الخصوص تويتر. النصف الأول من يوم 25 يناير كنت أعمل على إدارة خريطة تحركات يناير، تبدو التحريات كثيرة وفي أماكن مختلفة. كان آخر ما قمت به قبل النزول أن أنشر تغريدة:
https://twitter.com/MoEltaher/status/30033977226035200

-4-

تبدو الأمور مختلفة بعد ذلك، بدا واضحا أن التحركات لن تنتهي قريبا، انتقلت مع العديدون لمركز هشام مبارك للقانون، قابلت سيف هناك ” ثورة ولا إيه يا سيف؟” قال لي “أهي طلعت ثورة يا طاهر هعزمك على قلقاس أخضر لو نجحت”.
كان هشام مبارك يعج بالنشطاء، وأصبح من الروتيني التحرك يوميا تحرك الناس من مقره إلى الميدان والعكس. عشرات النشطاء اتخذوا من مقر هشام مبارك نقطة لنشاطهم، أذكر جيدا مدى سعادة الموجودين بوصل جهاز التليفزيون إلى المقر بعد قطع الاتصالات.
في أيام الثورة كان هناك تقسيم عمل داخل هشام مبارك، مجموعات تقوم بجمع الأخبار وأخرى تتواصل مع محاميو جبهة الدفاع عن المتظاهرين وآخرون يعملوا على نشر الأخبار على الإنترنت قبل قطعه وبعد رجوعه، بالإضافة للمهمة الأكثر إرهاقا لتوفير الإعاشة.

-5-

لا زالت أذكر العديد من المشاهد داخل هشام مبارك. أذكر شكل سيف جالسا أو نائما وسط عشرات الشباب، و أذكر جيدا نشاط مالك مصطفى الموزع بين الميدان وبين توفيره للطعام والأغطية داخل هشام مبارك. حتى أنه أصبح يعرف متطلبات العديد من الموجودين. في أحد المرات جاء لي بغطاء جديد ورغيفا من الخبز والجبن ” انت شكلك عامل ليه كدا يا مالك، روح نام يا عم”. في اليوم التالي، سيف وأنا، ذهبنا مع مالك لمنزله بوسط القاهرة، على ما أذكر كانت المرة الأولى التي نستخدم فيها ماءا دافئا للاستحمام.وأذكر جيدا يوم أن جلست عدة ساعات مع أحمد غربية وآية عبد الله لإعداد أكياس بها كمامات مبللة بالخل ومغلقة جيدا، “ودي هتعمل حاجه يا غربية؟” “ أه المفروض إنها تقلل تأثير الغاز”. بعد الثورة بأكثر من أربعة أعوام ذكّرني أحمد بهذا اليوم برسالة نصية قال فيها أنها المرة الأولى منذ الثورة التي يأتي فيها أمام تلك الصيدلية التي اشترينا منها كمامات.
https://twitter.com/aGharbeia/status/30423980007497728

-6-

مالك عدلي قُبض عليه أثناء قيامه بنقل أغطية للمتظاهرين بميدان التحرير. أيام قليلة اختفى فيها مالك مع نشطاء آخرين في س 28 على ما أذكر. أما أسماء علي فقد كانت في هشام مبارك وقتها. الأيام كانت صعبه جدا وقتها، كل شوية كنا نسمع إن واحد صاحبنا إتقبض عليه.
https://twitter.com/Siimmaaa/status/33183986595401730

-7-

في أحد الليالي كانت الأخبار قد وصلت لنا في هشام مبارك أن الاتصالات ستُقطع عن كامل الجمهورية، سبقها على ما أذكر حجب لبعض مواقع التواصل الاجتماعي. أذكر في جلسة بهشام مبارك قبل قطع الاتصالات بساعات قليلة رأي بعض الأصدقاء أن قطعها ربما يُنبئ بحريق جديد للقاهرة كالذي حدث في 52 وتفسيرات أخرى عديدة تتعلق بقطع الاتصالات بين من في الميدان ومن خارجه لتعطيل التنسيق للتحركات و وصول إمدادات الإعاشة.
في وقت قطع الاتصالات كانت الأمور سيئة جدا، لم يستطع النشطاء التواصل مع بعضهم ولا زويهم. كنت قد تواصلت مع أهلي أطمأنهم قبل قطع الاتصالات بوقت قليل جدا، وأخبرتهم أن الاتصالات ستُقطع ” ماتقلقوش أنا تمام بس بيقولوا الاتصالات هتتقطع، كلموني على الرقم دا لو ماعرفتوش توصلولي اليومين الجايين” وأعطيت أخي رقم هشام مبارك الأرضي.

-8-

كانت وكالات الأخبار والقنوات الفضائية والصحف تعتمد بشكل أساسي على الإنترنت في نقل الأخبار والتواصل مع مراسليها أو متابعة ما يكتبه النشطاء على شبكات التواصل الاجتماعي. بعد أن تم قطع الاتصالات أصبحت هناك مشكلة ضخمة في الوصول للأخبار. إلا أن البعض قد طور آليات أخرى للنشر على الإنترنت والتواصل فيما بيننا، والبعض الآخر قد وجد سبيلا للوصول للإنترنت.
علاء عبد الفتاح وقتها كان ما يزال في جنوب أفريقيا، وفي أيامه الأخيرة هناك، فقد قرر الرجوع، كان وقتها يتواصل بالهاتف الأرضي معنا في هشام مبارك لنقل ما يحدث على الإنترنت. بعدها بأيام قليلة جدا قابلت علاء ومنال في الميدان، لم يأخذ الأمر منهما وقتا طويلا لتقرير رجوعهما للمشاركة بالثورة.

-9-

في أحد صباحات الثورة استيقظت في وقررت النزول من مقر هشام مبارك متوجها إلى مقر الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، نزلت معي الصديقة سالي سامي متوجه أيضا لمقر عملها بالقرب من هشام مبارك. كانت الشوارع متوترة جدا وبين الحين والآخر نسمع عن خطف أحد المتظاهرين أو سحله في الشارع، بعد وصولي لمقر الشبكة بدقائق جاءتني أخبار اقتحام هشام مبارك والقبض على الموجودين به.

https://twitter.com/waelabbas/status/34180599514140672

https://twitter.com/waelabbas/status/33139960785670144

-10-

السخرية كانت تملأ الميدان وهشام مبارك أيضا، ما زلت أذكر العديد من تعليقات مالك عدلي وأحمد راغب ومالك مصطفى وعماد مبارك ومحمد زارع الذي تعرفت عليه لأول مرة بهشام مبارك.
كثير من التفاصيل وقعت من ذاكرتي، وبعضها دونته في أوراق حتى لا أنساه، أغلب ما دونته كانت مواقف شخصية أكثر منها تتعلق بالثورة، وحتى أني أجد صعوبة أحيانا في تذكّر مواقف حدثت لي يذكرني بها أصدقاء. ولهم كذلك أيضا.
بس الأيام كانت حلوه وكنت حاسس إننا بنعمل حاجة بجد!