شارك تانك والأخلاق

“مابحبش نتكلم عن الأخلاق في الرعاية الصحية”…

الجملة دي اتقالت في الحلقة الأخيرة من برنامج “شارك تانك مصر”، لما رائد أعمال كان بيعرض شركته “كاردو” اللي بتجمع وتبيع ساعات ذكية في السوق المصري.

وأثناء التقييم، المستثمر محمد فاروق قال: “مافيش برنامج مبني على بيانات العملاء… يعني ماعندكش حاجة تبيعها… أنا عاوز أعرف ضغط الدم بتاع ١٠٠ عميل دلوقتي حالًا”.

ولما صاحب المشروع اعترض وقال إن ده مش أخلاقي، ردّ محمد فاروق:

“مابحبش نتكلم عن الأخلاق في الرعاية الصحية… أنا هاخد البيانات دي علشان أساعدهم”.

الجملة دي بتعبّر عن منطق رأسمالي خالص. البيانات دي هتتخزن، وهتتحلل، وهيتبني بيها نماذج تجارية، وهتتباع لشركات تأمين أو هتدخل في مشاريع ذكاء اصطناعي. فمحمود فاروق مش عايز البيانات دي عشان يساعد الناس، هو عايزها لأنها هتكون مصدر الربح الأساسي.

الحقيقة المستثمر ده ماكانش بيدوّر على تحسين الخدمة أو مساعدة الناس، لكن على تعظيم الربح من خلال نماذج تجارية مبنية على أجساد البشر.

المساعدة هنا خطاب، مش هدف. واللي بيتقال عن “النصيحة” أو “الصحة” مجرد غطاء لعملية استغلال ممنهجة.

الاعتراض الأخلاقي اتقابل باستخفاف، لأن منطق السوق لا يعترف إلا بالربحية. وغياب (وفي حالتنا رفض) الأخلاق مش عيب فردي، لكنه ضرورة لنظام اقتصادي قائم على التشييء وتحويل الإنسان لأداة إنتاج.

الطلب العلني بجمع بيانات صحية لحظية، مش بس انتهاك للخصوصية، لكن كمان خرق واضح للقانون المصري لحماية البيانات، اللي بيعتبر البيانات الصحية “بيانات حساسة”، لازم موافقة صريحة ومعالجة لغرض مشروع.

لكن القانون في الرأسمالية دايمًا أضعف من السوق.

المستثمر مش شايف القانون ولا شايف الأشخاص، لكن شايف أرقام على شاشة، قابلة للتسييل والتحويل لنموذج ربح.

والحقيقة إن التكنولوجيا نفسها مش هي المشكلة.

المشكلة في البنية الاقتصادية اللي بتدير التكنولوجيا بمنطق السوق، وبتحوّل كل ما يمكن قياسه إلى سلعة قابلة للبيع.

في السياق ده، الساعة الذكية مش أداة طبية، لكنها مصنع لإنتاج البيانات.

الرأسمالية ماعادتش بتستغل الوقت والشغل بس، لكن كمان بتستغل الجسد نفسه. البيانات بقت مادة خام، والجسم بقى خط إنتاج، شغّال حتى في النوم.

وده تطور طبيعي لمنظومة بتشوف إن كل شي ممكن يتسعّر. ومع كل تطور تكنولوجي، بيزيد التناقض بين مصالح السوق واحتياجات الناس.

وعشان كدا مع كل تطور تقني لازم نتعامل مع سؤال، إزاي التكنولوجيا ممكن تُدار لمصلحة الناس، مش لمصلحة المستثمرين؟