في ذكرى اغتيال ليون تروتسكي، استحضر نظرية التطور المركب اللامتكافئ كأدقّ عدسة لفهم التطور التقني اليوم. فالتاريخ لا يتحرّك بخطٍّ تصاعديٍّ بسيط، بل عبر وحدةٍ متناقضة تتراكب فيها —وفي اللحظة نفسها— أعلى أشكال التقدّم مع أبسط أشكال التخلّف، وأن ما يربط هذه العناصر المتنازعة ويُعيد تشكيلها باستمرار هو الصراع الطبقي.
لهذا تبدو نظرية التطور المركب اللامتكافئ الأكثر منطقية لتفسير مسار التكنولوجيا سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، وتكشف كيف يجمع رأس المال بين المختبر الفائق والتجميع اليدوي المنخفض الأجر داخل دورة واحدة للتراكم، وكيف يتولّد فائض القيمة من هذا التزاوج المتناقض.
عندما ننظر مثلاً إلى الذكاء الاصطناعي، نجد أنه لا يقوم على «آلة محايدة»، بل على تقسيم أممي للعمل تُمسك فيه أقلية رأسمالية بقرار الخوارزمية والتمويل والوصول إلى البيانات، بينما ينجز ملايين العمّال —في التعهيد، والوسم، والمراجعة، والصيانة— المهام التي تُغذّي النماذج وتبقيها حيّة. وهنا يظهر التقدّم والتخلّف معًا في شكل حوسبة متقدّمة تتكئ على عمل مُجزّأ منخفض الأجر، وخدمات «ذكية» لا تستغني عن وقت بشري مكثّف.
ليست هذه مفارقة عابرة؛ لكنها طريقة عمل الرأسمالية في العصر الرقمي، ومع تشديد السيطرة التكنولوجية بيد رأس المال، تولد شروط موضوعية لنضالٍ عمّالي أممي من أجل انتزاع السيطرة والقرار على أدوات الإنتاج الرقمي.
سياسيًا، تشرح النظرية كيف تُدار التكنولوجيا داخل ميزان قوى طبقي، وتظهر أسئلة مثل: إلى أي صفّ تُسخَّر البنية المادية والبرمجية؟ من يضع القواعد ومن يملك حق الإيقاف والتشغيل؟ واقتصاديًا، تفكّك وهم أن الربح «ينبع من التقنية ذاتها»، لتُظهر أن مصدره هو العمل الحيّ المعمَّم والمتفاوت، وأن «التقدّم» يستبقى معه «التخلّف». اجتماعيًا، توضّح كيف يُعاد تنظيم الزمن، والمهارة، والرقابة على الجسد والمعرفة، داخل الطبقة العاملة ذاتها عبر توسّط تقني يُعمّق الفوارق داخل الوحدة الطبقية، ويولّد في الوقت نفسه إمكانات تضامن وتنظيم جديدة.
لذلك تصبح هذه النظرية الأكثر منطقية وتماسكًا لتفسير التطور التكنولوجي اليوم — سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا — ولصياغة أفقٍ تحرّريٍّ يربط مصير التقنية بإرادة العمّال وتنظيمهم الديمقراطي على نطاق أممي.