الكام سنة الأخيرة انتشرت مقولة إن “البيانات هي النفط الجديد”. طبعا التشبيه شكله حلو. زي ما النفط كان وقود الرأسمالية الصناعية، البيانات دلوقتي وقود الرأسمالية الرقمية.
لكن -تقريبا- التشييه دا غلط تماما. لإن النفط مادة طبيعية ليها استخدام مباشر في الصناعة والطاقة والنقل، وقيمته طالعة من العمل الاجتماعي اللي بيستخرجه ويكرره وينقله.
إنما البيانات ماعندهاش في ذاتها أي قيمة استعمالية. صورة على إنستجرام، نقرة على فيسبوك، أو موقع متسجل مايبقوش قيمة غير لو اندمجوا في عملية إنتاجية تانية من خلال شغل بشري جديد.
طبعا ممكن نقول إن النفط فعلًا ما ينفعش تستخدمه من غير شغل بشري زي البيانات، يعني لازم يستخرج، يتكرر، ويتنقل. لكن بردو من أول لحظة، النفط عنده قيمة استعمالية طبيعية، بيتحرق يولّد طاقة، ينفع للصناعة أو للنقل. يعني فيه خاصية مادية في ذاته بتخليه مفيد. ولما العمل يدخل هنا، بيحوّل الخاصية دي لسلعة بتتبادل في السوق.
لكن البيانات ملهاش معنى اقتصادي غير لما تتحط في سياق رأسمالي، زي إعلان يتباع، نموذج ذكاء اصطناعي يتدرّب عليها. قيمتها مش جاية من خصائص طبيعية فيها، لكن جاية من “الوعد” إن في المستقبل هتتحول لأرباح. وهنا بيبان طابعها الوهمي. السوق بيتعامل معاها كأنها أصل ليه قيمة حالية، مع إن قيمتها متوقفة على شغل لسه ما اتعملش.
هنا بيظهر الطابع الوهمي للبيانات. زي الأسهم والسندات، واللي هي تعتبر رأسمال وهمي، لإنها أصول قيمتها مش جاية من إنتاج حالي، لكن من وعد إن في المستقبل هتولّد أرباح. بنفس الشكل، البيانات النهاردة بتتعامَل كأصل مالي بيراهن المستثمرين إن هيقدر يولّد قيمة جاية بعدين. مثلا قيمة فيسبوك أو جوجل في البورصة مثلًا مش بتتقاس بس بأرباحها الحالية، لكن -بنسبة مش بسيطة- بالمخزون الضخم من البيانات اللي عندها، اللي بتخلي المستثمرين يتخيّلوا ان البيانات -في ذاتها- هيدّيها سيطرة أكبر على سلوك المستهلكين وبالتالي أرباح مستقبلية أعلى.
لو خدنا مثلا مثال الذكاء الاصطناعي لانه واضح. هنلاقي شركات زي OpenAI وAnthropic متقيّمة بمليارات، رغم إن أرباحها المباشرة لسه ضعيفة. قيمتها السوقية -بنسبة مش بسيطة خالص- قايمة على كمية البيانات اللي معاها، والوعد إن البيانات دي هتستخدم في تدريب نماذج تجيب فلوس في المستقبل. لكن النماذج دي نفسها ما بتولّدش قيمة مستقلة، لأنها في الآخر محتاجة جيش من المهندسين والمبرمجين ومصنّفي بيانات، غير الاستهلاك الضخم للطاقة، فكدا البيانات الخام لوحدها مالهاش أي قيمة.
وبالتالي يبقى تشبيه البيانات بالنفط بيغطي على حقيقتها. لإن النفط عنده قيمة استعمالية مادية في ذاته، إنما البيانات ما هي إلا رأسمال وهمي، قيمتها مربوطة بقدرتها إنها تتحوّل يوم من الأيام لأرباح من خلال استغلال العمل البشري اللي بيظهر بوضوح في تصنيف البيانات مثلا وفي شغل المبرمجين والمهندسين. فكلمة “نفط جديد” مجرد دعاية أيديولوجية للرأسمالية الرقمية. التوصيف الأدق إن البيانات رأسمال وهمي، وبيمثل منطق المضاربة والرهان على اللي جاي أكتر من إنه يمثل إنتاج قيمة حقيقية في الحاضر.