هل تذكر أول مرة أنشأت فيها حسابا على “فيس بوك”؟ ربما أنشأته منذ عدة سنوات، ومنذ لحظتها وأنت تُغذّي الموقع ببيانات عنك، بداية من اسمك وعملك وحتى تفاصيل حياتك اليومية، ما أعجبك وما لم تلق له بالا، ميولك تجاه ما يحدث حولك، صورك وصور من تعرفهم، شبكة علاقاتك. كم هائل من البيانات التي يُغذّي بها المستخدمين حساباتهم على الشبكات الاجتماعية.
الشبكات الاجتماعية تعرفنا جيدا
يعرفك “فيس بوك” وغيره من الشبكات الاجتماعية جيدا، كل تصرف تقوم به على أحد هذه الشبكات يتم تسجيله على الخواديم (Servers) التابعة لهذه الشركات، “فيس بوك” وجوجل وغيرهما من المواقع والشبكات الاجتماعية يعرفون جيدا تفضيلاتك وسلوكك على الشبكة، ما تبحث عنه وما تتصفحه.
يتجاوز الأمر جمع وحفظ البيانات على خوادم، إلى إجراء دراسات على الحالة النفسية، كما حدث مع بعض مستخدمي “فيس بوك”، عندما قامت بمجموعة من الدراسات النفسية على 700 ألف مستخدم، لمعرفة الحالة العاطفية التي يشعر بها المستخدم على إثر ما يقرأه على الموقع. خلف صفحات مواقع الشبكات الاجتماعية التي تتصفحها كم ضخم من الأكواد البرمجية التي تسجل كل ما تقوم به.
بياناتنا على الخواديم
تستخدم الشبكات الاجتماعية البيانات التي يتم جمعها بأكثر من طريقة وهدف. البيانات التي يتم جمعها من المستخدمين بشكل عام يتم الاحتفاظ بها على الخواديم الخاصة بكل شبكة اجتماعية، ثم تقوم مجموعات ضخمة من الخواديم بتحليل هذه البيانات لاستخدامها لاحقا في توجيه الإعلانات أو لأي دراسات تتعلق بالسلوك الشرائي أو ممارسات تنتهك خصوصية المستخدمين كما أشرنا سابقا، أو مشاركتها مع شركات أخرى أو فتح أبوابا خلفيا على خواديمهم تستخدمها الحكومات في مراقبة المواطنين.
إدوارد سنودن سرب آلاف الوثائق، التي تثبت تورط “فيس بوك”، ومايكروسوفت وجوجل وغيرهم من الشركات في ذلك.
تختلف الشبكات الاجتماعية غير المركزية عن الشبكات الاجتماعية التقليدية التي نتعامل معها اليوم. حيث يمكن حصر الاختلافات في نقطتين:
- في حين أن شبكة اجتماعية كـ”فيس بوك” لا نستطيع أن نطلع على أكوادها البرمجية ووظائفها، أي أن كل ما نعرفه عن وظائف الشبكة هو فقط ما يظهر للمستخدم من واجهة المواقع، ولا يعرف المستخدمون ما وراء هذه الصفحات من أكواد برمجية تقوم بجمع البيانات عن المستخدم.
تقوم الشبكات الاجتماعية غير المركزية بالأساس على البرمجيات الحرة والمصادر المفتوحة، ما يعني أن أي مستخدم قادر على الإطلاع على أكوادها البرمجية بشكل كامل ومعرفة حدود وظائفها. ربما ترى أنه لا فائدة مباشرة على المستخدم العادي في هذه النقطة. لسنا جميعا نستطيع فهم آلاف الأسطر من الرموز والأرقام التي تسمى “شفرة”.
لكن أهمية إتاحة الأكواد البرمجية التي تعمل بها الشبكات الاجتماعية سيستفيد منها المستخدم النهائي، عن طريق المراجعات التي يقوم بها مبرمجين آخرين، ذلك نوع من الشفافية، على سبيل المثال، يقوم العديد من المبرمجين بمراجعة أكواد البرمجيات مفتوحة المصدر وتحليلها، ونشر مقالات حولها على الإنترنت، ما يعني أن المستخدم العادي يمكنه فعليا أن يعرف العيوب والمميزات لأي منها.
إلقاء نظرة سريعة على كم المراجعات التي يتم نشرها من قبل مجتمع البرمجيات الحرة والمصادر المفتوحة على المواقع الإلكترونية المختلفة سيوضح جيدا أهمية إتاحة الشفرة المصدرية للعموم. تلك دعوة تشرح أهمية الانتقال لاستخدام المصادر الحرة بديلا عن منتجات مايكروسوفت وأبل الاحتكارية.
- إتاحة الكود البرمجي للشبكات الاجتماعية غير المركزية، يعني أنه يمكن لأي شخص يمتلك القدرات التقنية أن يقوم بإنشاء شبكة الاجتماعية خاصة به وبأصدقائه وإدارتها بتحكم كامل. كما أن مطوري هذا النوع من الشبكات يعملون على خلق مساحة مشتركة فيما بينهم، بحيث يمكن لمستخدمي الشبكات غير المركزية من الاتصال فيما، تماما كما يمكن لمستخدمي خدمة البريد الإلكتروني Gmail من التواصل مع مستخدمي خدمة البريد الإلكتروني Hotmail.
سيناريو الشبكات غير المركزية
لكي نرسم سيناريو أكثر وضوحا لعمل الشبكات الاجتماعية غير المركزية. نفترض أن هناك شبكة اجتماعية تُسمى (أ)، هذه الشبكة تم تصميمها لتعمل بطريقة غير مركزية، وتعمل على خادوم يُسمى (ب)، وبما أنها تعمل طبقا لمبدأ البرمجيات الحرة أو مفتوحة المصدر فإنه يمكن لشخص آخر أن يقوم بتشغيلها على خادوم آخر، لنُسمي هذه الشبكة (ج)، مستخدمي الشبكة الأولي (أ)، والشبكة الثانية (ج)، يمكنهم أن يتواصلوا فيما بينهم دون وجود أي عوائق بسبب اختلاف الخواديم التي تعمل عليها كل شبكة.
لنفترض أيضا أن هناك 100 شخص قام بتشغيل 100 شبكة على خواديم مختلفة. هذا يعني أنه سيكون أمام المستخدم 100 شبكة يمكن له أن يختار أي منهم لإنشاء حسابه عليها، ويتواصل من خلال حسابه هذا مع باقي الأعضاء المستخدمين للشبكات الأخرى على الخواديم المختلفة.
السؤل الآن هو، تشغيل هذه الشبكات يتطلب أولا خبرات تقنية عالية المستوى، وثانيا تكلفة مادية مقابل إدارة تلك الخواديم التي ستعمل عليها هذه الشبكات الموزعة. بالإضافة إلى أن هذه الشبكات ستستأجر خادوم (Server) لتشغيلها فإن الشركات التي تقوم على تشغيل هذه الخواديم سيمكنها أن تطلع على البيانات المخزنة عليه. ما يعني أننا عدنا للنقطة صفر مرة أخرى، جمع البيانات وخصوصية المستخدمين يمكنها أن تتعرض لخطر.
الخادوم الشخصي
هنا يأتي حل من قبل مجتمع البرمجيات الحرة، وهو إتاحة فرصة للمستخدم العادي لامتلاك خادمه الشخصي الخاص، بسعر رخيص، وسهل في إدارته، وصغير في حجمه. هذا الخادوم أُطلق عليه “صندوق الحرية“، وهو عبارة عن خادوم صغير يحتاج إعدادات بسيطة وسهلة لتشغيله، ورخيص الثمن، يمكن لأي شخص الحصول عليه، وكل اتصالاته مُشفرة، ويوفر كل ما نريده من إمكانيات. كل ما سيكون على المستخدم فعله هو شراء خادوم “صندوق الحرية”، وتشغيله عبر مجموعة إعدادات بسيطة، وإيصاله باتصال بإنترنت، بعدها يستطيع المستخدم التعامل معه في كل ما يريده مثله مثل أي خادوم آخر، كالتواصل الاجتماعي والبريد الإلكتروني والدردشة الصوتية والمرئية وغير ذلك.
الآن، لنطبق فكرة الشبكات اللامركزية وصندوق الحرية معا. تشغيل شبكات اجتماعية غير مركزية عبر مجموعة خواديم صندوق الحرية، ما يعني وجود شبكة اجتماعية موزعة على أكثر من خادوم (من خواديم صندوق الحرية) يُمكن الاتصال فيما بينهم، باتصال مُشفر ولا تخضع لسلطة شركات عملاقة تجمع بيانات وتنتهك خصوصية المستخدم.
حسنا يمكن أن نلخص هذا كله بكلام بسيط، إذا حاولنا الإجابة عن سؤال لماذا الشبكات الاجتماعية غير المركزية مهمة؟
أهمية الشبكات الاجتماعية غير المركزية تنبع بالأساس من أهمية إخضاع بيانات المستخدمين لسلطتهم. هل سألت نفسك ما هي السلعة التي تبيعها الشركات الكبيرة التي تقدم أغلب خدماتها مجانا كـ”فيس بوك”، وجوجل، و”تويتر”، وغيرهم؟ واقعيا أنت السلعة التي تبيعها هذه الشركات، الغالبية العظمى من هذه الأرباح تأتي من الإعلانات التي يتم استخدام البيانات التي تجمعها هذه المواقع عن مستخدميها وتحليلها لمعرفة تفضيلاتهم لتوجيه الإعلانات.
اقرأ عن تسريبات إدوارد سنودن، وكيف فتحت “فيس بوك”، وميكروسوفت، وجوجل، وغيرهم من الشركات أبوابا خلفيا للحكومة الأمريكية لمراقبة مستخدمي هذه الخدمات.
أهمية الشبكات الاجتماعية غير المركزية وكل الأفكار المشابهة لها، تنبع من إتاحة القدرة للمستخدمين لإخضاع حواسبهم وبياناتهم لسلطتهم، فكيف تحفظ خصوصيتك إذا كانت بياناتك وتصرفاتك كلها تحت يد شركات كل أرباحها جاءت من استغلال بياناتك وانتهاك خصوصيتك؟