#مصطلحات_ليست_بريئة (٢)  | Engagement

“كل نقرة أو لايك تتحول إلى رقم، والرقم إلى سلعة، والسلعة إلى قيمة تبادلية تُباع وتُشترى.”

من بين أكثر المصطلحات تضليلًا في السياق الرقمي يبرز مصطلح “Engagement” أو “التفاعل”. يُقدَّم هذا المصطلح بوصفه مؤشرًا على الحيوية الاجتماعية، ودليلًا على المشاركة النشطة للأفراد في الفضاء الافتراضي.

في الواقع هذا ليس سوى قناع لغوي يخفي عملية استغلال معقدة، حيث يُعاد تعريف الفعل الاجتماعي البسيط –إعجاب، تعليق، مشاركة– بوصفه وحدة بيانات قابلة للقياس، ثم تُدمج هذه الوحدة في دورة تراكم رأسمالي لا علاقة لها بحرية الأفراد أو تواصلهم الطبيعي.

ما يحدث هنا هو إعادة إنتاج لآلية قديمة في الرأسمالية، تحويل النشاط الحيّ إلى قيمة مجردة قابلة للمقارنة والحساب. في زمن المصانع كان ذلك النشاط هو العمل والزمن المادي للعامل، أما في زمن المنصات فقد توسعت الرأسمالية لتدخل الانتباه والتواصل الاجتماعي للفرد.

كل نقرة أو لايك تتحول إلى رقم، والرقم إلى سلعة، والسلعة إلى قيمة تبادلية تُباع وتُشترى. وهكذا لا يعود التفاعل فعلًا اجتماعيًا حرًا، بل يصبح جزءًا من عملية الإنتاج. وهذه العملية تمثل “تجريدًا مزدوجًا”، أولًا تجريد الفعل الاجتماعي من معناه، وثانيًا دمجه في السوق بوصفه -وبعد تحويله إلى- سلعة ذات قيمة تبادلية.

من هذا المنظور يصبح الـ”Engagement” علاقة استغلال جديدة، جزءًا من التراكم البدائي المتجدد الذي تصادر فيه الرأسمالية – في طورها الرقمي- النشاط الاجتماعي غير السوقي وتحوله إلى سلعة.

قد يُوحي المصطلح بأنه مشاركة طوعية بينما هو في الحقيقة تشييء للانتباه والوقت البشري. وبقدر ما ينجح الخطاب السائد في تقديمه كرمز محايد أو كمؤشر للنشاط، بقدر ما يتعمق دوره كأداة أيديولوجية تحجب علاقات الاستغلال الحقيقية.