يبدو مصطلح Community Guidelines أو “إرشادات المجتمع” وكأنه مجرد قواعد تنظّم الفضاء الرقمي وتحمي الأفراد من خطاب الكراهية أو العنف. الحقيقة أن المصطلح واحد من أكثر المفاهيم تضليلًا في عصر المنصات الرقمية، وأداة سيطرة رأسمالية تُمارس تحت ستار التنظيم المجتمعي.
في بدايات الإنترنت، كان النقاش حول “المجتمع” الرقمي يأخذ شكلًا أقرب للمنتديات أو القوائم البريدية، تُضع قواعد سلوك بسيطة، مثل منع الشتائم، احترام الخصوصية، أو الالتزام بموضوع المنتدى. وظلت مرتبطة نسبياً بروح “المجتمعات الافتراضية” الأولى.
منذ العقد الأول من الألفية، تحولت Community Guidelines إلى أداة مركزية في إدارة الحياة الرقمية، وسياسات مكتوبة بعناية من قِبل فرق قانونية وتسويقية داخل الشركات، وليست اتفاقًا جماعيًا بين أفراد. الهدف منها مزدوج ويجمع بين تقليل المخاطر القانونية وحماية بيئة الإعلانات، وفي نفس الوقت تقديم واجهة أخلاقية توحي بأن ما يُفرض هو “إرادة المجتمع”.
الخطاب الأيديولوجي للإرشادات يقوم على ادعاء زائف بالحياد. فالقواعد تُصاغ وتُطبَّق بما يخدم السوق وانحيازاته الطبقية. لذلك نجد محتوى يُحذَف عن حرب الإبادة بدعوى أنه “مثير للانقسام” أو “مخالف للمعايير”، بينما يُسمح بمحتوى آخر لأنه مربح وآمن للعلامات التجارية. ما يبدو التزامًا بالسلامة هو في الحقيقة انحياز لسلامة السوق.
الإرشادات في أصلها آليات عملية للتأديب، مثل الحذف والحظر وتقليل الوصول (shadow banning) جميعها إجراءات تقنية غير محايدة تستخدم لإعادة تشكيل الفضاء العام وضبط حدود الممكن سياسيًا واجتماعيًا. هذه الممارسات تُستخدم لإقصاء ما يهدد استقرار المنصة الربحي، وتطويع السلوك الجماعي بحيث يبقى مقبولًا لدى المعلنين.
بهذا المعنى، Community Guidelines جزء من جهاز أيديولوجي أشمل للرأسمالية الرقمية. فهي تخفي علاقات القوة خلف خطاب أخلاقي، وتحوّل الرقابة الاقتصادية والسياسية إلى ما يشبه “إجماعًا مجتمعيًا”. وما كان في الأصل أداة تنظيم أفقي صار وسيلة لإعادة إنتاج الهيمنة الطبقية على الفضاء الرقمي.