التعاونيات التكنولوجية: جسر نحو العدالة والشمول

يتمتع قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بقوة تحويلية هائلة تمتد لتأثيرها على النظم الاقتصادية والاجتماعية، وتبرز التعاونيات كأداة محورية ومرنة لتحقيق التغيير الإيجابي في هذا القطاع الحيوي. بفضل الهيكل الديمقراطي والشامل للتعاونيات، فإنها تتمتع بالقدرة على استغلال تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات بطرق تدعم العدالة الاقتصادية والاجتماعية، وتساهم في تقليص الفجوة الرقمية، كما تقدم التعاونيات قوة تحويلية لتوجيه الابتكارات نحو الصالح العام.

أهمية التعاونيات في قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات

في قلب فلسفة التعاونيات تقع مبادئ العدالة والرخاء المشترك، وهذه المبادئ تأتي كعلاج فعّال للتفاوت الصارخ في الثروة الذي نشهده غالبًا في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، فقد يؤدي الإبتكار إلى تركيز الثروة مما يزيد من الفجوة الاقتصادية ويعزز من الظروف غير العادلة. تقدم التعاونيات نموذجًا بديلاً تتمثل رؤيته في توزيع فوائد الابتكار والثروة بطريقة أكثر عدلاً وشمولًا.

و لا تُركّز التعاونيات على تقاسم الثروة فقط، بل هي أيضًا عن تقاسم القوة والسيطرة. في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، يمكن للتعاونيات أن تمثل وسيلة فعالة لتمكين المجتمعات من التحكم في مصيرها الرقمي. ومن خلال تشجيع الابتكار المحلي والاستقلالية، تتيح التعاونيات للمجتمعات تطوير ونشر الحلول التكنولوجية التي تلبي احتياجاتهم المحلية، وهو ما يعزز الاعتماد على الذات والاستقلالية و يعزز القدرة على التعامل مع التحديات التكنولوجية المعقدة.

على الجانب الآخر فإن التعاونيات تقوم على أساس صنع القرار الديمقراطي، حيث يمتلك كل عضو الحق في المشاركة في تحديد الاتجاه والسياسات التي تتبعها الشركة. في قطاع مثل قطاع الاتصالات يمكن أن تكون فيه السرية (خاصة الناتجة عن براءات الاختراع والأسرار التجارية) وتركيز السلطة (خاصة في أيدي الشركات التقنية الكبرى) مشكلة، فإن صنع القرار الديمقراطي في التعاونيات يوفر حماية ضد الاستغلال والاحتكار وسوء الاستخدام من قبل الشركات الكبرى. لذا فإن التعاونيات تخلق نموذج يعزز الشفافية والمساءلة في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، ويقدم آلية لضمان الحماية من التركيز غير المبرر للمعرفة والقوة.

كما تقدم التعاونيات بيئة فريدة لتقاسم المعرفة والخبرات، مما يساهم في بناء القدرات والمهارات اللازمة للمنافسة في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات السريع التطور. فكل عضو يجلب معه مجموعة متنوعة من المهارات والخبرات، مما يعزز القدرة الجماعية للتعلم والابتكار. هذا النوع من التعاون يمكن أن يتيح الفرصة لأولئك الذين قد يكونون محرومين من التكنولوجيا أو الفرص التعليمية المتعلقة بالتكنولوجيا للوصول إلى المعرفة والمهارات اللازمة للمشاركة في المجتمع الرقمي.

الحركات التقدمية ودعم التعاونيات التكنولوجية

الحركات التقدمية يجب أن تعمل على الدعوة إلى انشاء التعاونيات التكنولوجية، والنضال من أجل سن التشريعات وتقديم الدعم المالي والفني الشامل لتشجيع تكوينها ونموها. في هذا السياق، قد تدعو الحركات التقدمية إلى هذا الدعم من خلال الحوافز والمنح وبرامج التدريب المصممة لتمكن المجتمعات من إنشاء وإدارة مبادراتها التكنولوجية بشكل فعال. أيضًا الدعوة إلى إنشاء شبكات بين التعاونيات التكنولوجية لتسهل التعاون وتبادل المعرفة وحل المشكلات بشكل جماعي. فمن خلال توحيد التعاونيات ذات التفكير والأهداف المماثلة، يُمكن خلق قوة للابتكار المحلي، بل والإقليمي أيضًا، الذي يضمن تسخير فوائد التكنولوجيا بشكل جماعي.

كما أنه من الضروري أن تعي الحركات التقدمية أهمية الالتزام بأن تعطي التعاونيات التكنولوجية الأولوية للشمول الرقمي، وتعمل على سد الفجوة الرقمية التي قد تترك مجتمعات وأفراد على هامش العصر الرقمي. يعني هذا توسيع نطاق خدمات التعاونيات التكنولوجية لتشمل المجتمعات المحرومة، وتعزيز المعرفة الرقمية، والعمل بنشاط لضمان أن لا يتخلف أحد عن الركب في العصر الرقمي.

إضافة إلى ذلك،يجب أن تدرك الحركات التقدمية للطبيعة العالمية للتكنولوجيا وتدعو للتعاون الدولي لتعزيز التعاونيات التكنولوجية في جميع أنحاء العالم. هذا يعكس القيم التقدمية المتمثلة في التضامن الدولي والرخاء المشترك. على امتداد الحدود الجغرافية والثقافية، يمكن للتعاونيات التكنولوجية أن تجمع الناس وتمكنهم من تسخير التكنولوجيا لتحقيق مجتمعات أكثر مرونة.

إن التعاونيات التكنولوجية يجب أن تُشكّل جزءاً أساسياً من إستراتيجية الحركات التقدمية لتحقيق تحول نحو مجتمعات أكثر إنصافاً وشمولاً. من خلال تشجيع التشريع والدعم المالي والتدريب، والتركيز على الشمول الرقمي، وتعزيز الشبكات بين التعاونيات، والتعاون الدولي، يمكن تحقيق هذا الهدف. يمكن للحركات التقدمية أن تساعد في بناء مستقبل تكنولوجي يعزز الحقوق والفرص للجميع، بغض النظر عن مكانهم أو ظروفهم. تعكس التعاونيات التكنولوجية الأحلام الجماعية لعالم أفضل ويمكنها أن تكون أداة قوية لتحقيق هذا الرؤية.