رأس المال الجَرِيء من منظور تقدمي

يُشير مصطلح رأس المال الجَرِيء (Venture capital) إلى شكل من أشكال تمويل الأسهم الخاصة الذي يتم تقديمه عادةً للشركات الناشئة في مرحلة مبكرة والشركات الناشئة ذات إمكانات النمو العالية. تستثمر شركات رأس المال الجَرِيء في هذه الشركات عن طريق شراء حصص الأسهم، مما يعني أنها تحصل على حصة من الملكية في الأعمال التجارية. ويكتسب هذا الشكل من التمويل أهمية خاصة في قطاعي التكنولوجيا والاتصالات حيث تتطلب الشركات الناشئة غالبًا رأس مال كبير لتطوير وتسويق تقنيات أو منتجات أو خدمات جديدة.

صناديق استثمار رأس المال الجَرِيء مستعدة لتحمل مستويات أعلى من المخاطر مقارنة بالمستثمرين التقليديين، مثل البنوك أو المستثمرين الأفراد، ويتوقعون عوائد أعلى على استثماراتهم. وغالبًا ما لا يقدمون التمويل فحسب، بل يقدمون أيضًا الخبرة والإرشاد وفرص التواصل للشركات الناشئة التي يستثمرون فيها. ويساعد هذا الدعم هذه الشركات على التغلب على تحديات الاقتصاد الرقمي والوصول إلى الموارد واكتساب ميزة تنافسية.

وفي مصر، كباقي دول العالم، دخل رأس المال الجَرِيء كلاعب رئيسي خلال  السنوات السابقة، فارتفعت قيمة الاستثمارات التي ضخها رأس المال الجَرِيء في الشركات الناشئة المصرية من 18 مليون دولار أمريكي سنة 2017 إلى نصف مليار دولار أمريكي في سنة 2022، ليصبح إجمالي تمويل الشركات الناشئة المصرية في الفترة من 2017 حتى 2022 أكثر من 1.4 مليار دولار أمريكي.

على الرغم من وجود العديد من الفوائد التي يُمكن أن تُجنى من رأس المال الجَرِيء في دفع عجلة الاقتصاد الرقمي ودفع التنمية وزيادة عدد الشركات وتحفيز الابتكار، إلا أنه يجب أن يُنظر إلى رأس المال الجَرِيء من منظور نقدي للعديد من الأسباب ومنها التالي:

  • تركيز الثروة: رأس المال الجَرِيء يؤدي إلى تفاقم عدم المساواة في الثروة، فهو نوع من رأس المال الذي يفيد في كثير من الأحيان عدد قليل من الأفراد والكيانات، مما يؤدي إلى تركيز الثروة في أيدي نخبة صغيرة في حين يترك الكثيرين دون الوصول إلى مثل هذه الفرص الاستثمارية.
  • دوافع الربح على المدى القصير: طبيعة رأس المال الجَرِيء الذي يحركه الربح، والذي قد يعطي الأولوية للعوائد قصيرة الأجل على الاعتبارات الاجتماعية والبيئية طويلة الأجل. هذا التركيز على الأرباح يؤدي إلى ممارسات استغلالية وتجاهل رفاهية العمال والمجتمع.
  • الضغط على الرواتب والأجور: يميل رأس المال الجَرِيء إلى التركيز على الربح السريع، مما قد يؤدي إلى الضغط على الشركات الناشئة لخفض تكاليف التشغيل بما في ذلك الرواتب والأجور.
  • عدم المساواة في الوصول: الوصول إلى رأس المال الجَرِيء يقتصر غالبًا على أولئك الذين لديهم ثروات وشبكات وامتيازات موجودة مسبقًا. وهذا يؤدي إلى إدامة عدم المساواة والتمييز ضد الفئات المهمشة التي لديها قدرة محدودة على الوصول إلى رأس مال.
  • المخاطر والمضاربات: رأس المال الجَرِيء يمكن أن يشجع استثمارات المضاربة والسلوك المحفوف بالمخاطر الذي قد يؤدي إلى فقاعات مالية وعدم استقرار السوق.  وهذا يمكن أن يكون له عواقب سلبية على الاقتصاد والمجتمع الأوسع.

ونظرًا لطبيعة عمل الشركات الناشئة فإن هناك حاجة لإيجاد بدائل تمويلية تتفق مع القيم والمبادئ التقدمية. هناك مقاربات بديلة لرأس المال الجَرِيء تهدف إلى تحقيق توزيع أكثر عدالة للثروة وتعزيز العدالة الاقتصادية والاجتماعية.  بعض هذه البدائل قد تشمل:

  • الاستثمار العام: دعم الاستثمار العام في الأعمال التجارية في مراحلها المبكرة والمشاريع المبتكرة.  ومن الممكن القيام بذلك من خلال البرامج التي تمولها الحكومة أو المنح أو صناديق رأس مال الجَرِيء مملوكة للدولة، بهدف دعم الشركات الناشئة والشركات الجديدة مع ضمان توزيع الفوائد على نطاق أوسع في المجتمع.
  • التعاونيات: في هذا النموذج، يتقاسم العمال المخاطر والمكافآت في العمل، ويتم اتخاذ القرارات بشكل ديمقراطي. يمكن أن تكون التعاونيات وسيلة لتمكين الموظفين وتعزيز إعادة توزيع الثروة.
  • التمويل المجتمعي: يمكن اعتبار تشجيع نماذج التمويل المجتمعية أو التمويل من نظير إلى نظير، مثل التمويل الجماعي أو شبكات الاستثمار المحلية، وسيلة لتقليل الاعتماد على رأس المال الجَرِيء التقليدي.  تسمح هذه النماذج للمجتمعات بالاستثمار في الشركات المحلية ودعمها.
  • البنوك العامة: إنشاء بنوك عامة يمكنها تقديم قروض منخفضة الفائدة للشركات الصغيرة والشركات الناشئة، لا سيما تلك الموجودة في المجتمعات المهمشة أو المحرومة.  ويمكن لهذه البنوك أن تعطي الأولوية لاحتياجات السكان على نطاق أوسع بدلاً من دوافع الربح فقط.
  • الإصلاحات التنظيمية: يمكن أن تكون الدعوة إلى وضع لوائح تنظيمية تحد من الإفراط في خوض المخاطر والمضاربة في القطاع المالي بمثابة نهج بديل. ومن خلال الدعوة لتطبيق قواعد أكثر صرامة على المؤسسات المالية وتعزيز الإقراض المسؤول، بهدف منع الأزمات الاقتصادية وحماية المجتمع من العواقب السلبية للرأسمالية الجامحة.
  • المنح والإعانات: يمكن للحكومات تقديم المنح والإعانات والحوافز الضريبية للشركات التي تتوافق مع الأهداف الاجتماعية والبيئية. ومن الممكن أن تعمل هذه الحوافز على تشجيع الابتكار وريادة الأعمال مع ضمان تقاسم المنافع بشكل أكثر إنصافا.