فقط لأنه فعل ما كان يحب أن يفعله

يخرج من بيته مبكرا ، كالعاده ينظف المقعدين الأمامى والخلفى ، يدير المفتاح وينطلق، يتذكر أول مره ساق (التاكسى) ربما منذ اربعين عام ، له الآن أكثر من ثلاثون عام يبدأ عملة من نفس المكان من ميدان التحرير ، يصل له ثم يدور دورة واحده حول الميدان بعدها يبدأ العمل .

– رمسيس يا أسطى؟؟
– اتفضل يا استاذ
أول زبون يريد أن يركب الى رمسيس ، هو يكره هذا المكان

– أصله زحمة والناس هناك مش طايقين بعض وبعدين هدوخ لحد ما أرجع تانى

دائما ما كان يحب أن يفتح حوارا مع الزبون ينتهى بنزول الزبون فى المكان المطلوب ، بعضهم يبدى إمتعاضة من الحديث ، والآخر يتسلى بكلام هذا العجوز

– الدنيا بقت زحمة أوى ، زمان كانت البلد فاضية والناس محترمه
– …………………………
– هو حضرتك هتنزل فين بالظبط؟
– أيوة هنا ، متشكر
– مع السلامه يا أستاذ

يسأل نفسه عن سبب عدم تغيير إسم هذا الميدان رغم أنهم أزالوا تمثال رمسيس

– شارع شريف يا أسطى؟
– إتفضل يا أستاذ

لم يكن هناك هذا الجمع والزحام الموجود الآن ، مر من هنا منذ دقائق وهو متجه لميدان رمسيس

– والله العالم دى فاضية إيه والنبى اللى مواقفهم هنا كدا وعاملين لنا زحمة ، هى البلد ناقصه قرف !!
– دول شباب عاملين مظاهره علشان الحاجات اللى غليت
– آه منا عارف انهم بتوع المظاهرات بس هى بتيجى على دماغنا إحنا والزحمة دى إحنا اللى بننضر بيها
-لا يا أسطى ماهو لو الحكومة مانزلتش لهم العربيات دى كلها ماكنش هيبقى فيه زحمة
– حكومة إيه بس يا أستاذ دا البلد كلها حرامية ولاد كلب
……………….
– أيوة يا أسطى على جنب هنا
– إتفضل يا أستاذ

لا يحب الزحام ويكرهه رغم أن عملة يوميا فى الزحام ، دائما ما يقول أنه سيبيع التاكسى ويفتتح بقاله بثمنة ، لكنة لا يبيع ولا يفتتح البقاله

– المهندسين يا أسطى؟؟
– فين فى المهندسين؟؟
– جامعة الدول
– إتفضل يا استاذ

– أومال الدنيا مالها زحمة كدا يا أسطى
– دى العيال بتوع المظاهرات يا أستاذ عالم مالهاش شغلانة ولا مؤخذه
– ………………………………………
– والله خساره الشباب دول فى المرمطه
– هما اللى غاويين مرمطه مش شايفهم عاملين ازاى؟؟؟ مالهوم هما بقى باللى بيحصل ماكل واحد فيهم معاه اللى مكفيه ، عالم فاضية
– ……………………………………..
– يلا ، كدا كدا مش هيعملوا حاجه
– كان راكب معايا زبون منهم من شوية بيقوللى إنهم بيعملوا المظاهرات دى علشان الناس الغلابه
– ……………………………………………..
– هتنزل هنا يا أستاذ؟
– أه على أى جنب يا أسطى

شارع جامعة الدول ،
يكرهه هذا الشارع نهارا ، ولا يطيقة ليلا ،
لكنه يستطيع تحمل كل هذا لكن لا يستطيع تحمل سخافات زبائن هذا المكان

– الدقى؟
– إتفضل

يحاول الخروج من شارع جامعة الدول العربيه إلى الدقى ، كل مره يأتى لهذا الشارع يكرهه أكثر ، ربما لإقتناعه التام بأن كل أنثى تقف فى هذا الشارع لابد وأن تكون ساقطة

– إستغفر الله العظيم …. شوف والنبى يا أستاذ البت لابسه إيه ؟!!! ………. الناس مابقاش عندها دين
– ……………………….
– ماعدش فيه أدب ولا اخلاق ، الواحد بييجى هنا زى مايكون رايج جهنم
– مش للدرجادى يا أسطى
– لا والله يا أستاذ ، دانا لما أجى أوصل زبون هان باليل بلاقى بلاوى وحريم ولا مؤخذه مستنية أى راجل ييجى يخدها ، ما أعرفش الحكومة فين

– أيوة يا أسطى على جنب هنا
– إتفضل يا باشا

يحب هذا المكان
لا يعرف لماذا ، ربما لقلت الزحام النسبية التى يتمتع بها هذا المكان

– ميدان التحرير يا أسطى؟؟
– لا

لا يستطيع ترك هذه البلد ، لم يخرج من مصر إلا عندما ذهب للسعودية حاجا ، لا يعرف ما الذى يجعله متمسكا بالبقاء بها ،
أخوة الذى يعمل بالخليج أرسل له من سنوات طويله لياتى ليعمل بدولة من دول الخليج
لم يوافق على العرض ، ولا يعرف لماذا لم يوافق

– الزمالك؟؟
– لا

كعادتة اذا لم يكن هناك معه اى زبائن يتجه لوسط البلد ، ربما يجد فى طريقة زبونا أو يحصل عليه من تجولة بشوارع وسط البلد
لازال مقتنعا بأن وسط البلد هى منطقة أولاد الناس

– مدينة نصر ؟؟
– لا

فى السبعينات كان يعمل أيضا سائق تاكسى ، يتذكر حالتة الإقتصادية وقتها ، كان أفضل من الأن بكثير ربما كان يستطيع وقتها أن ينام وهو متفائل بأنة يستطيع توفير ثمن الدراجة لإبنه
الآن يلعن اليوم الذى أتى فيه هذا النظام

– غمرة ؟؟
-لا

لم يهتم يوما بالسياسه ، لكنه يتذكر أنه كان سعيدا عندما سمع من يتكلم عن الضباط الأحرار
وكان مقتنع ببعض ما يقولة السادات
لكنة يلعن اليوم الذى رأى فيه وجه النظام الحالى

– فيصل؟
-لا

الشمس تغيب
وقليل من المطر يتساقط على زجاج سيارته
إبتسامه ترسم على وجهه
يبدو وجهه مريحا بعد تلك البسمه و اللحيه البيضاء وشعره الأبيض أيضا يضفون عليه شكلا مريحا

ينزل من التاكسى

سنوات طويله مرت عليه ولم يفعل هذا ، كان يترجل الكورنيش و قطرات المطر تتساقط عليه
لكنة قرر أن يفعلها الآن بعد كل هذه السنوات
يفعلها كما كان فى شبابه

ينظر إلى السماء ويستمتع بمنظر تساقط قطرات الماء

منذ بداية اليوم ولم يشعر بالسعاده
لكنة يشعر بها الآن
فقد لانه نظر لنفسه
ووجد أن ملابسه قد تبللت