لماذا يجب رفض قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية

خلال الأيام القليلة الماضية، نشرت صحف ووسائل إعلام مصرية، نص مسودة قانون الجرائم الإلكترونية الذي سيُعرض على مجلس النواب خلال الأسابيع القليلة القادمة. المسودة متسقة تمامًا مع عداء النظام والرئيس للإنترنت ولمستخدميه، وتنقل مصر لمصاف الدول القمعية كالصين وكوريا الشمالية وحليفة النظام المملكة العربية السعودية، فيما يمكن تصنيفه بكونه إغلاق آخر مساحات المجال العام في مصر.

لماذا القانون؟

لا يُخفي النظام والرئيس عداءهما للإنترنت، ويبدو أنهما ينتظران أي فرصة لطرح رؤية قمعية واضحة تجاه مستخدميه، وفي ظل وجود مجلس نواب كالحالي ينساق في أغلبيته وراء النظام، فمن المنطقي أن يلتقط أعضاؤه طرف الخيط من الرئيس ﻹظهار مسودة قانون، ليست لمكافحة الجرائم بقدر ما هي محاولة لمنع تداول المعلومات والأخبار على الإنترنت، وللقضاء على آلية ناجحة جدًا في التنظيم، بعدما قُمعت حركات وتنظيمات التغيير الاجتماعي والديمقراطي، وجرت السيطرة على الإعلام، ولم يبق صوت سوى الإنترنت، ممثّلًا في المواقع الإخبارية الإلكترونية أو شبكات التواصل الاجتماعي.

الأمر الآخر الذي قد يجعل النظام أكثر خوفًا وعدائية للإنترنت، يتعلق بما ينشره الأفراد كالمقاطع المصورة والصور الرقمية المرتبطة بالمشاكل السياسية والاجتماعية المصرية وتعج بها مواقع كفيسبوك وتويتر، بالإضافة إلى ما تنشره المؤسسات الإعلامية الدولية ولا تمكن السيطرة عليه، وتسريبات طالت مصر كتسريبات بنما وما يتعلق بمراقبة الاتصالات والإنترنت.

أضف إلى ما سبق، التحركات التي خرجت في عهد النظام الحالي، ودُعي إليها جميعًا من خلال الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، ما جعل الأجهزة الأمنية في مأزق عدم القدرة على السيطرة على دعوات الاحتجاج، ما طور بدوره ممارساتها باتجاه تفتيش الهواتف الذكية للمواطنين عشوائيًا بالشارع بالمخالفة للقوانين والدستور المصري.

قدّم مسودة القانون النائبُ تامر الشهاوي، عضو مجلس النواب عن دائرة مدينة نصر، وهو ضابط جيش سابق عمل في المخابرات الحربية لمدة 20 سنة، وتقاعد في يناير 2015، ودائمًا ما يتحدث في الإعلام بجدية، وبوجه يبدو عليه الاقتناع، عن الحروب السيبرانية وحروب الجيلين الرابع والخامس، وهو ما قد يفسّر كيفية خروج مسودة القانون، متسقة مع رؤية الرئيس في عدائه للإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، ويفسّر أيضًا استغراب القانونيين من كيفية خروج مسودة قانون بهذا الشكل المتعارض مع الدستور وسائر القوانين المصرية.

ولماذا يجب رفض القانون؟

يدور منذ عامين حديث متقطع عن النية لإصدار قانون لمكافحة الجريمة الإلكترونية، وقد نشرت وسائل الإعلام المصرية مسودة قانونية سابقة في السنة الماضية، لا تختلف كثيرًا عن المسودة الحالية وإن كانت الأخيرة أكثر قسوة وقمعًا.

ليس من المبالغة أن نقول إن الثلاثين مادة الواردة بمسودة القانون الحالي هي مواد لا تهدف بالأساس لمكافحة الجريمة الإلكترونية، وإنما للسيطرة التامة على مستخدمي الإنترنت عن طريق ترويعهم بعقوبات قاسية على ممارسات طبيعية يومية يقوم بها معظم المستخدمين في العالم. وفي حال مُرّرت المسودة الحالية فكل مستخدمي الإنترنت في مصر مُعرّضون للسجن والغرامة.

تبدو جميع مواد القانون جديدة كليًا، من ناحية نوعية الجرائم واختلافها، ومن ناحية قسوة العقوبات المفروضة على المستخدمين، ما سيؤثر سلبًا ليس فقط على النشطاء في تعبيرهم عن آرائهم، بل يمتد فعليًا لكل مستخدم حتى وإن نشر فيديو أو شارك خبرًا أو معلومة، أو حصل على فيلم أو كتاب من مواقع التحميل والتورنت. أو حتى اختُرق بريده الإلكتروني دون علمه.

شركات الاتصالات تتجسس وتحجب

رغم أن حجب المواقع الإلكترونية لم ينتشر في مصر سوى في حالات محدودة ولفترات قصيرة نسبيًا، ولم يكن هناك قانون يُلزم شركات الاتصالات بحجب مواقع أو خدمات بعينها، وأن التجسس على الاتصالات كان مستندًا على مادة مبهمة وغير محددة في قانون الاتصالات، إلا أن مسودة القانون الحالي تنقل الإنترنت في مصر للخلف، ليصطف النظام مع أنظمة ديكتاتورية عتيقة كالصين وكوريا الشمالية والسعودية، كأمثلة على أسوأ الدول في ممارستها تجاه الإنترنت.

تُحكِم مسودة القانون سيطرة الدولة على الإنترنت، فلا داع الآن لأن تشتري الأجهزة الأمنية برمجيات ومعدات تقنية لمراقبة الاتصالات في مصر، فشركات الاتصالات المصرية على اختلاف أنواعها ستُلزَم بالمراقبة الجماعية لكل مستخدميها، عن طريق اتخاذ كافة الإجراءات والتدابير التقنية اللازمة لحفظ وتخزين محتوى النظام المعلوماتي أو أي وسيلة لتقنية المعلومات، وكذلك حفظ وتخزين بيانات خط السير كرسائل البيانات وحركتها، وذلك لمدة ستة أشهر. ما يعني أن شركات الاتصالات جميعها، سواء الشركة المصرية للاتصالات أو شركات المحمول أو الشركات التي تُقدم خدمة الإنترنت، ستُلزم بحفظ كل ما تقوم به بدءًا من إجراء المكالمات أو تلقيها، وإرسال الرسائل القصيرة أو استقبالها، وحتى المواقع التي تزورها على الإنترنت. والاحتفاظ بها لمدة ستة أشهر طبقًا للمادة 27 من المسودة.

تتعامل مسودة القانون مع استخدام الإنترنت بوصفه جريمة بالأساس، وعليه فإن القانون يُعطي لجهات التحري والضبط المختصة سلطة مراقبة الإنترنت والبحث عما قد يُشكل تهديدًا للأمن القومي، أي أننا بصدد مراقبة عشوائية للإنترنت من قبل الأجهزة الأمنية، للبحث عما تعتبره جريمة، وبعدها يمكن لجهات التحقيق ومحكمة الجنايات إصدار أمر بالحجب في غضون 24 ساعة فقط، طبقًا للمادة 14 من المسودة!

ضرر هذه المادة بالغ، فهي فعليًا تستخدم لفظ “الأمن القومي” التي يستخدمها النظام دائمًا في مواجهة الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، والأمر هنا يتعلق بالعديد من الخدمات وليس فقط مواقع كفيسبوك وتويتر، بل إن حتى خدمات التراسل التي تستخدم طبقات تشفير كواتسآب وسيجنال، ويستخدمها ملايين المصريين يوميًا، يمكن حجبها طبقًا لنفس القانون.

الضحية متهم أيضًا

في سابقة قانونية، تُعاقِب مسودة القانون الضحية وليس الجاني، ففي حال اختُرق بريدك الإلكتروني أو حساباتك على الشبكات الاجتماعية، أو إن كنت تملك موقعًا إلكترونيًا أو تكتب في مدونة واختُرِقت وارتُكبت أحد الجرائم بسبب هذا الخطأ التقني، فستُعاقَب بحبس لا يزيد عن ثلاث سنوات وغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيهًا ولا تزيد عن 100 جنيهًا، أو بإحدى هاتين العقوبتين، طبقا للمادة 13 من المسودة.

سمعتَ بالتأكيد عن أشخاص اتُهموا بالإخلال بالنظام العام وتعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر، ومنع وعرقلة ممارسة السلطات العامة لأعمالها وتعطيل أحكام الدستور والقوانين واللوائح، والإضرار بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي وازدراء الأديان السماوية، وهي اتهامات شاع استخدامها في الثلاث سنوات الأخيرة ضد مئات المواطنين المصريين، واتُهم بها أشخاص من كل الاتجاهات والتيارات، كما وُجّهت ضد من لا يتعاطون مع السياسة، فعلى سبيل المثال لا الحصر، اتُهم الشيخ السلفي محمد حسان سابقًا بازدراء الأديان، كما واجه إسلام البحيري وفاطمة ناعوت ومجموعة الأطفال بالمنيا أيضًا نفس التهمة، ووُجهت التهم السابق ذكرها للعديد من مستخدمي الإنترنت في قضايا إدارة الصفحات الإلكترونية، أو لنشطاء سياسيين وحقوقيين كحالة مالك عدلي مثلًا، أو حتى لفنانين كما حدث مع أعضاء فرقة “أطفال شوارع” مؤخرًا. طبقًا للمادة 23 من المسودة فإن من يدان بهذه التهمة يواجه عقوبة السجن المؤبد أو المشدّد. الأمر ليس بعيدًا عن أي مستخدم، حيث يمكن استخدام هذه التهم ضد المستخدم إثر أي من الممارسات العادية التي يقوم بها يوميًا، بدءًا من اللايك والشير على فيسبوك.

إذا أعجبك مقطع فيديو أو فيلم أو كتاب وشاركته مع أصدقائك على فيسبوك أو تويتر مثلًا، فستواجه عقوبة تصل إلى الحبس والغرامة التي لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تتجاوز مائتي ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين طبقا للمادة 21 من المسودة. وقد يواجه هذه التهمة مستخدمو التورنت وأصحاب المواقع والمدونات التي تنشر الأفلام والكتب مثلًا.

في حالة كنت تتصفح موقعًا إلكترونيًا وحدث خطأ تقني في الموقع (خطأ ليس لك دخل به، بل قد يكون خطأ برمجيًا وقع فيه مبرمجو ومطورو الموقع) واستطعت الوصول لأي معلومات على الموقع دون أن تكون لديك صلاحية لذلك، فستُعاقب بالحبس والغرامة التي لا تقل عن 30 ألف جنيهًا ولا تزيد عن 50 ألف، وإذا نتج عن هذا الخطأ التقني – الذي ليس لك دخل به ولم تتسبب به بالأصل- إتلاف أو محو أو تغيير أو نسخ للمعلومات والبيانات الموجودة به، فستكون العقوبة الحبس لما لا يقل عن ستة أشهر وغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيهًا ولا تجاوز 100 ألف، أو إحداهما. طبقا للمادة 17 من المسودة.

تحتوي مسودة القانون فعليًا على العديد من المواد الأخرى التي تقيّد الإنترنت والمستخدمين تمامًا، وتفرض عقوبات على الشركات التي تخالف أيًا من أحكام القانون، وإذا مُررت هذه المسودة فعلًا في مجلس النواب، فسيصبح الإنترنت في مصر مثار تندر العالم، كما هو في كوريا الشمالية.