الإنترنت كساحة للتراكم البدائي

في الوقت ال بيتقدَّم فيه التكنولوجيا على إنها وعد بالخلاص، بيبقى سهل جدًا الناس تقتنع بفكرة إن اللي بنعيشه دلوقتي هو خروج من الرأسمالية لعصر جديد من الاقتصاد الرقمي، اللي فيه المصانع اتبدلت بخوارزميات والروبوتات والذكاء الاصطناعي.

لكن الحقيقة أبعد ما تكون عن القطيعة دي.

الرأسمالية، ما بتتبدلش لوحدها، إنما بتجدد نفسها، وبتتأقلم، وبتخترع أدوات نهب جديدة تحت أقنعة الحداثة.

مؤخرًا، بقى فيه استخدام واسع لمصطلح “التراكم البدائي الرقمي”، المقصود باللفظ ده هو الطريقة اللي رأس المال بيستولي بيها على موارد جديدة ما كانتش خاضعة للسوق قبل كده—زي البيانات، والمحتوى اللي بينتجه المستخدمين، والمعرفة التعاونية المفتوحة …إلخ—وبيحولها لسلع مربحة من غير ما الناس اللي أنتجوا الحاجات دي ياخدوا أي مقابل.

اللي ممكن نسميه “التراكم البدائي الرقمي” ما هواش حاجة جديدة، ممكن نعتبره لحظة بيعيد فيها رأس المال إنتاج نفسه، مش من خلال التبادل، لكن من خلال الاستيلاء، والإزاحة، والتجريد. زي مثلا ما الفلاحين اتطردوا زمان من أراضيهم، النهارده الإنسان الرقمي بيتسلب من موارده الجديدة—البيانات، والمعرفة، والوقت، —وبيُعاد إدخاله جوه ماكينة الإنتاج.

في التراكم البدائي الرقمي، النهب بيحصل على مستوى أعمق.. مش بس في نوعية الموارد، لكن في طبيعة العلاقة بين الإنتاج والملكية.

المعرفة التعاونية، التعبيرات الفردية، والسلوك اليومي—كلها بتتحوّل لمادة خام بتُستخلص من غير مقابل، وتتخزن وتتعالح بخوارزميات مش بنشوفها، ولا نقدر نراجعها، ولا نشارك في قرار استخدامها.

شركات الذكاء الاصطناعي بتصادر الذاكرة الجمعية للإنترنت، وتحوّلها لملكية خاصة تحت اسم “نموذج”.

المنصات بتستغل كل فعل رقمي—حتى أبسط تفاعل—وتحوله لسلعة بتتباع في سوق مغلقة إحنا مش أطراف فيها.

ده مش نظام جديد، ده مجرد شكل شبه جديد للرأسمالية وهي بتجدّد نفسها. الرأسمالية الرقمية ما خرجتش من الرأسمالية الصناعية، دي تطورها الأعلى، اللي فيه الإنتاج ما بقاش محتاج مادة فيزيائية، كفاية يكون فيه مخزون لا نهائي من التفاعل البشري، ويتحوّل لسلعة.

علشان كده الخطاب اللي بيقول إن “الاقتصاد الرقمي خارج عن الاقتصاد السياسي التقليدي”، أو إن “البيانات هي النفط الجديد”، بيغطي على حقيقة إن البيانات دي مش مورد طبيعي محايد… الحقيقة إنها بتيجي من علاقات قوة وطبقية، بين أقلية عندها أدوات الاستخلاص، والمعالجة، والتملك، وأغلبية بيتم انتزاع بياناتها واستغلال مجهودها ووقتها.

الخطاب ده نفسه أداة أيديولوجية، هدفها تخبي الإستغلال اللي بيحصل في كل نقرة، وكل تحميل، وكل تدريب لنموذج لغوي. خطاب كذّاب بيدي الانطباع إن اللي بيحصل “تطور طبيعي”، أو “حتمية تكنولوجية”، بينما هو في الحقيقة استمرار لهيمنة طبقية بتتجدّد في شكل جديد.

على أي حال يبدو أن التراكم البدائي ما كانش لحظة وانتهت، ده ممارسة بتتكرر كل ما الرأسمالية توصل لحدودها. ودلوقتي، في زمن المنصات والذكاء الاصطناعي والتعلّم الآلي، إحنا عايشين استئناف جديد للتراكم، بس بكود وبرامج وشبكات خفية، وفي بيئة شكلها شخصي ومريح.

وعلى الأساس دا، المفروض نفضح الآليات دي، ونسأل نفسنا مين يملك وسائل الإنتاج؟

بس المرة دي بصيغة مناسبة للفضاء السبراني.. مين يملك البيانات؟ مين يملك البنية التحتية؟ مين يملك الخوارزمية؟ مين يملك سجل حياتنا الرقمي؟