خلفية
تأسست شركة “إن إس أو” (NSO) الإسرائيلية في عام 2010 على يد نيف كارمي وشاليف هوليو وعومري لافي، وتركزت أعمالها على تطوير تقنيات المراقبة الرقمية. يقع مقرها الرئيسي في مدينة هرتسليا، وتعمل على تزويد الحكومات والمؤسسات الأمنية بتقنياتها.
أحد أبرز منتجات الشركة هو برنامج “بيجاسوس” (Pegasus) الذي يُعتبر أداة تجسس متطورة. يمكّن البرنامج مستخدميه من اختراق الأجهزة الذكية عن بُعد والوصول إلى بيانات المستخدم، بما في ذلك المكالمات، الرسائل النصية، البريد الإلكتروني، إلى جانب تشغيل الكاميرا والميكروفون دون علم المستهدف.
بداية اكتشاف نشاط “إن إس أو” في انتهاكات حقوق الإنسان
بدأت “إن إس أو” في الظهور عام 2016، عندما كشف معمل “سيتيزن لاب” الكندي بالتعاون مع منظمة “العفو الدولية” عن استخدام “بيجاسوس” لاستهداف ناشط حقوقي إماراتي عبر رسالة نصية تحتوي على رابط ضار.
مع مرور الوقت، تصاعدت الأدلة حول إساءة استخدام تقنيات الشركة، حيث أكدت تقارير في عام 2018 استخدام البرنامج للتجسس على الصحفي السعودي جمال خاشقجي وأفراد مقربين منه قبل اغتياله. وفي 2021، شاركت وسائل إعلام بارزة في تحقيق دولي بعنوان “مشروع بيجاسوس”، وثق أكثر من 50 ألف رقم هاتف استُهدفت بواسطة البرنامج، شملت صحفيين ونشطاء حقوقيين وسياسيين من مختلف دول العالم.
وضع “إن إس أو” على القائمة السوداء في الولايات المتحدة
في نوفمبر 2021، أعلنت وزارة التجارة الأمريكية إدراج شركة “إن إس أو” على “القائمة السوداء للتجارة”. جاء القرار بعد الكشف عن استخدام برنامج “بيجاسوس” لاستهداف شخصيات بارزة. مما عُدّ انتهاكًا للقوانين الأمريكية المتعلقة بحماية الخصوصية وحقوق الإنسان.
فرض القرار قيودًا صارمة على “إن إس أو”، من بينها حرمانها من التكنولوجيا والتمويل الأمريكي. هذا الإجراء أثّر بشكل كبير على عمليات الشركة التجارية، رغم محاولاتها المستمرة للضغط عبر قنوات سياسية وقانونية لتخفيف العواقب.
قضية أبل ضد NSO والتراجع عن المتابعة
رفعت شركة أبل دعوى قضائية ضد “إن إس أو” في نوفمبر 2021، متهمة الشركة باستخدام “بيجاسوس” لاختراق أجهزة مستخدميها عبر استغلال ثغرات في أنظمة “آي أو إس”. وطالبت أبل بمنع “إن إس أو” من استخدام منتجاتها بشكل دائم.
بحلول سبتمبر 2024، سحبت أبل الدعوى بشكل مفاجئ، مشيرة إلى مخاوف تتعلق بالكشف عن معلومات حساسة قد تُستغل من قبل “إن إس أو” أو شركات أخرى. كما بررت القرار بصعوبة الوصول إلى وثائق أساسية تتعلق ببرنامج “بيجاسوس”. هذا التراجع أثار جدلًا واسعًا، حيث رأى البعض أنه يحمي أسرار أبل التقنية، بينما اعتبره آخرون خطوة تمنح “إن إس أو” فرصة أكبر للتحرك.
قضية واتساب ضد NSO: صراع قانوني معقد
في أكتوبر 2019، رفعت واتساب دعوى قضائية أمام محكمة فيدرالية في كاليفورنيا، متهمة “إن إس أو” باستخدام “بيجاسوس” لاختراق هواتف 1,400 مستخدم، بينهم صحفيون وناشطون حقوقيون ومسؤولون حكوميون.
بحسب الوثائق القضائية، استغلت “إن إس أو” أدوات هجومية تعتمد على ثغرات أمنية من نوع “Zero-day”، مثل أداة (Heaven) التي طورتها قبل أبريل 2018. استخدمت هذه الأداة خادمًا مزيفًا باسم “WhatsApp Installation Server” لتثبيت برنامج “بيجاسوس”.
ورغم أن واتساب أغلقت هذه الثغرات بتحديثات أمنية في أواخر 2018، واصلت “إن إس أو” تطوير أدوات جديدة مثل Eden، التي ظهرت في فبراير 2019 وتجاوزت الحماية الأمنية مجددًا.
في مايو 2019، اكتشفت واتساب استخدام( Eden) لاختراق الأجهزة، وأغلقت الثغرات ذات الصلة. لكن “إن إس أو” لم تتوقف، وطورت أداة أخرى تُعرف بـ(Erised)، استُخدمت لاستغلال خوادم واتساب حتى منتصف عام 2020.
مسؤولية “إن إس أو” المباشرة
ما يجعل هذه القضية أكثر حساسية هو أن “إن إس أو” لم تكن مجرد مزود للتكنولوجيا. كشفت الوثائق أنها أدارت العمليات بشكل مباشر، حيث كان العملاء يُدخلون أرقام الهواتف المستهدفة فقط، بينما كانت “إن إس أو” تتولى بقية العملية، بما في ذلك تثبيت البرنامج واستخراج البيانات. كما تبين أن الشركة استخدمت خوادم مستأجرة في كاليفورنيا، مما منح المحكمة الأمريكية صلاحية متابعة القضية.