كنت في مظاهرة سنة ٢٠٠٧، وسط عدد قليل لا يتجاوز العشرات، وبالصدفة البحته انقسمنا لعدة مجموعات قليلة العدد ربما لا يزيد كل منهم عن خمسة عشر فرد، استطاعت مجموعة أن تطوف في شوارع وسط البلد لمدة عشر دقائق، كنت من ضمن هذه المجموعة، كان بجانبي أحمد إبن خالي، فجأة ظهر الأمن من أمامنا وخلفنا وتم محاصرة المجموعة وأخبرنا رتبة شرطية أنه علينا العودة لميدان طلعت حرب إلا سيقوم باعتقال الجميع، كنا نعرف أن هناك مجموعة تتظاهر أمام الحزب الناصري، عرفت لاحقا أن خالد عبدالحميد كان معهم.
المهم رجعنا وسط كردون أمنى مكون من حوالي 20 فرد بزي مدني، وبالطبع كنت القروي الساذج الوحيد الذي ظن خيرا في الرتبة شرطية وأنه سيتركنا نتظاهر في أمان عند وصولنا، لكن بمجرد أن وصلنا لميدان طلعت حرب أمام مكتبة مدبولي أخبرنا الرتبة أن علينا الصعود لعربة الترحيلات دون مقاومة “وإلا هيطلع دين أمنا” كنت ثاني من دخل عربة الترحيلات، وصل قبلي محمد عادل، يا للهول!!.
كأني دخلت القبر، رعب حقيقي، كنت لم أكمل العشرين من عمري، بدأ باقي زملائي بالتوافد لعربة الترحيلات، وبدأت الوجوه تظهر، إلى جانبي كان محمد عادل يحاول تهدئتي”ماتقلقش هيسبونا في الصحراوي” وإلى الجانب الآخر يجلس أحمد ابن خالي، يضحك بهستريه لم أفهمها ولم أسئلة وقتها عن سبب ضحكه، ولم أهتم لاحقا، وجدت أمامي الروائي محمود الورداني، لا أعرف من أين أتى، لم يكن معنا بالمسيرة، ثم جاء من نهاية العربة شخص أربعيني قال لي”إنت مش راجل مؤمن؟؟ مافيش حاجه هتحصل وهنخرج إن شاء الله” كان هذا الرجل هو النقابي ناجي رشاد.
أحد المتظاهرين ظل يصرخ بأغاني وطنية، كانت هذا أسوأ ما في الموقف.
تحركت بنا عربة الترحيلات دون أي وجهه، إقترب مني أستاذ محمود الورداني وسألني عن إسمي وماذا أدرس وأسئلة التعارف العادية، ثم تحدث معي كثيرا وأراحني كلامه الذي لا أتذكرة الآن،
توقفت سيارة الترحيلات في مكان لا أعرفه، أخبروني أنه طريق صلاح سالم، كانوا يبدو أنهم لا يعرفوا ماذا يفعلوا بنا، كنا قد قضينا عدة ساعات على منذ تم اعتقالنا، أذكر أني طلبت أن ألبي نداء الطبيعة وأذهب لقضاء حاجتي، وعندما أراد أحد أمناء الشرطة أن يرافقني، صرخ فيه الوداني، وأذكر ضابط شاب سألنا عن أي شيئ نريده فطلبنا منه ماء وسجائر.
تحركت السيارة مرة أخرى لوجهه لا نعرفها، إلى أن وصلنا لمعسكر أمن مركزي، نزلنا واحد تلو الآخر وأخذوا بياناتنا ثم ترجلنا إلى غرفة صغيرة، بمجرد دخولي بها وجدت عدد كبير من المعتقلين الآخرين كانوا قد سبقونا إلى هناك، كان منهم خالد عبدالحميد، لم نمكث هناك كثيرا.
تحركنا ثانية إلى قسم الظاهر، وهناك نزلنا جميعا وأخذوا كل متعلقاتنا، كان معي هاتف محمول وكميرا صغيرة بها بطاقة ذاكرة كان مخزن عليها صور للمظاهرة قبل الاعتقال، الضابط الذي يكتب متعلقاتنا في المحضر قال عن متعلقاتي” موبايل وكميرا مافيهاش كارت” كان أصلع وبوجهه ندبة، على استحياء قلت له “كان فيه كارت في الكميرا” بالطبع تراجعت فورا بمجرد أن نظرت حولي.
أدخولنا إلى غرفة ضيقة جدا، كنا حوالي 13 شخص، عرفنا أن هناك غرفة بجوارنا بها مجموعة خالد عبدالحميد، لم أكن أفكر بشيء وقتها سوى كيف سأقضي حاجتي في حمام بهذا المنظر…دعك من هذا الآن، لم يكن هذا شيئ يذكر بالنسبة لما نعيشه الآن.
جلست على الأرض قرابة الساعتين مع الزملاء، كنا قد أُلقي القبض علينا في الحدود الواحدة ظهرا، والساعة الآن تقترب من منتصف الليل، دخل أحد أمناء الشرطة ونادى على بعض الأسماء كنت منهم، تحركنا خارج غرفة الحبس وانتقلنا إلى مكان آخر وعرفنا بعدها أنه سيتم الإفراج عنا الآن.
خرجت من القسم سريعا إلى الشارع، وجدت مجموعة من زملاء في انتظارنا، سعادة بالغة أن أجدهم، كان هناك أربع أشخاص رامي صيام، محمد شرقاوي، وعلاء عبدالفتاح، واثنان لا أتذكرهم الآن. أخذني علاء وشخص آخر ذهبنا إلى سوبرماركت قريب اشتريا لي بعض الأشياء ورجعنا أمام القسم في انتظار خروج آخرين.
عرفنا أنه لن يتم الإفراج عن باقي الزملاء، ذهبنا بعد ذلك وتناولنا عشاء في أحد المطاعم الصغيرة القريبة من القسم. ثم رحلنا.
لا زلت ممتن لعلاء وشرقاوي على هذا الموقف، كانا يحاولا تهدئتي جدا عندما رؤوني مضطرب ومتوتر. وكنت أحتاج فعلا وجود من يقوم بهذا الدور، هل ترى أنه موقف تافه؟ أو أني (مش ناشف وسيس)؟أنا أيضا أرى ذلك الآن، لكني أذكر جيدا أن وجودهما كان مهما لي.