مُترجم: مواجهة تحدِّي التحرُّش على شبكة الإنترنت

ترجمة مقال: Facing the Challenge of Online Harassment 

دافعت مؤسّسة التّخوم الإلكترونيّة (EFF) عن الحقوق الرقمية على مدار25 سنة تقريباََ، إيماننا بالإنترنت ما زال يزداد قوة. العالم الرقمي يُحرّر المستخدمين من العديد من القيود على الاتصالات والإبداع التي توجد في العالم الحقيقي. لكنّه أيضا بيئة تعكس المشاكل في المجتمع الأوسع وتمنح لها أبعاداََ جديدة. والتحرُّش أحد هذه المشاكل.

التحرُّش على الإنترنت هو قضية حقوق رقمية. في أسوأ حالاته يتسبب في أضرار حقيقية ودائمة للمستهدفين منه. هذه الحقيقة يجب أن تكون محور أي نقاش حول التحرُّش. للأسف ليس من السهل صناعة القوانين والسياسات التي تُعالِج هذه الأضرار دون مُناشدة للحكومة أو الرقابة من قبل الشركات والعدوان على الخصوصية (بما في ذلك الخصوصية وحرية الكلام للمُستهدَفين من التحرُّش) .لكن هناك طُرق لتشكيل استجابات فعَّالة – كما نُناقش أدناة – راسخة في المُثل الأساسية التي قامت عليها شبكة الإنترنت، لحماية المُستهدَفين من التحرُّش وحقوقهم.

هذا المقال يشرح تقديرنا عن مكافحة التحرُّش على الإنترنت، وما نأمله في دور مؤسّسة التّخوم الإلكترونيّة في هذا الجهد بالنظر لعملنا. ليست كلمتنا الأخير ولا يجب أن تكون كذلك؛ هذه ليست قضية بسيطة. بدلا من ذلك، نريد وضع خطوط عريضة لبعض الأشياء التي نُراعيها عند النظر إلى المشكلة ونوجز بعض الأسس لاستجابات فعالة لذلك.

التحرُّش يمثل مشكلة خطيرة

دعونا نكون واضحون حول ما نعنيه “بالتحرُّش”. نحن لا نتحدث عن بضعة تغريدات لاذعة أو تبادل الآراء في نقاش عاتِِ على الإنترنت، حتي عندما يتضمن هذا النقاش لغة قاسية أو بذاءات. الكلام القبيح والمُهين لا يصل إلى مستوى التحرُّش دائماََ.

نوع التحرُّش الذي يُقلقنا يحدث عندما يُستدرَج مستخدمي الإنترنت للانتباه للمجموعات والأفراد الخطأ ، ويجدوا أنفسهم يُعانوا أقصى درجات العداء المُوجَّه، وغالباََ ما يُرافقه تَعرُّض لحياتهم الشخصية. بعض الضحايا يُقصَفوا بقسوة وبتسليط الأضواء على أمور شخصية وبوابل من التعليقات المُزعجة. وقد تُنشر عناوين منازلهم وأماكن عملهم في العلن، جنبا إلى جنب مع التهديد بالعنف. مثل هذا التحرُّش على الإنترنت يمكن أن تزداد حدته لتصل إلى مطاردة خارج الإنترنت واعتداء جسدي وأكثر من ذلك.

هذا النوع من التحرُّش يمكن أن يلحق ضررا عميقا بالحق في الكلام والحق في الخصوصية للأشخاص المُستهدَفين. وكثيراََ ما يُستخدَم لإرهاب أولئك الأقل قوة سياسياََ أو اجتماعياََ، وتُؤثر على بعض المجموعات بأشكال مختلفة، بما في ذلك النساء والأقليات العرقية والدينية. لا أحد يَستحسِن المستوي الذي يؤثر السلبي على حياة الآخرين.

“لا تُغذّي المُتصيدين” في حين أنها تحل المشكلة أحياناََ، إلا أنها استجابة غير كافية لهذا المستوى من الإساءة، وخصوصا عند تصاعُد الوضع من بعض التعليقات إلى حملة مستمرة. بعض الناس وصل بهم الأمر أن طُردوا خارج الإنترنت على خلفية آثار تراكمية من هجمات شخصية مُتعنّتة، أو بسبب تهديدات خطيرة على سلامتهم، أو سلامة أحبائهم.وعندما يحدث ذلك، يتم إسكات أصواتهم بفاعلية.

المُفارقة المُحزنة أن المتحرشين عبر الإنترنت يُسيئوا استخدام الأساس القوي للإنترنت كوسيط اتصالات مُتَنَفّذ لتضخيم وتنسيق أفعالهم وإسكات وإرهاب الآخرين بفاعلية.

لكن هذه القوة نفسها تُقدم طريقا للمجتمعات على الإنترنت للمقاومة: عندما نرى سلوك التحرُّش، يمكننا التحدث علنا للاعتراض عليه. في الواقع، واحدة من أكثر الطرق فاعلية لمواجهة التحرُّش على الإنترنت هو التصدّي للكلام. التصدي للكلام يحدث عندما يوظّف داعمي المجموعات أو الأفراد المُستهدفين نفس هذه القوة للإنترنت للنداء والإدانة والتنظيم ضد السلوك الذي يُسكِت الآخرين. لهذا السبب، وخلافا لبعض الافتراضات الخاطئة فإنالكفاح من أجل حرية التعبير ومكافحة التحرُّش على الإنترنت ليسا مُتناقضين، بل يُكمّلا بعضهما.

فقط لأن القانون يسمح أحيانا للشخص أن يكون أحمق (أو أسوأ) لا يعني أن الآخرين في المجتمع مطلوب منهم أن يكونوا صامتين أو فقط يتأهبوا ويتركوا الناس عُرضه للإساءة. يُمكننا وينبغي علينا أن نقف ضد التحرُّش. القيام بهذا ليس رقابة، إنها جزءا من الكفاح من أجل إنترنت عمُومي وداعم للكلام.

عثرات القواعد القانونية فيما يتعلق بالتحرُّش على الإنترنت

بدا لكثير من الناس أن القانون يُواجه التحرُّش على الإنترنت، ومؤسّسة التّخوم الإلكترونيّة دعت بانتظام لتقييم القوانين واللوائح المُُقترحة. ونظراََ لخبرتنا لسنوات مع القوانين السيئة المكتوبة والتي لا تعكس واقع البيئة الرقمية، نحن مُتحفظون جداََ في الموافقة على مثل هذه الإجراءات.

فعليا، تُغطّى بعض أشكال إساءة الكلام في القانون الساري. في الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال، التهديد بالعنف يُقصد به وضع المُستهدف في حالة خوف، هذا الخطاب يُعتبر خطابا غير مَحمياََ وغير شرعي في القوانين الفدرالية وفي قوانين الولاية. مُكافحة التحرُّش موجودة بكثرة أيضا في ولاية القضاء. ويمكن للناس رفع دعوى مدنية على التصريحات غير الحقيقة التي تجرح سُمعة الفرد. وهناك قوانين جديدة انصبّت على سلوك الإنترنت و مُرِرت بالفعل في الولايات المتحدة. على سبيل المثال، لدى 37 ولاية قوانين للتحرش على الإنترنت، و41 ولاية بها قوانين للمُطاردة على الإنترنت.

لكننا نرى نفس المشكلة على الإنترنت وخارجه: قوانين رامية لمكافحة التحرُّش نادرا ما تُطبق كليا، وكثيرا ما يفشل ضُباط انفاذ القانون في أخذ الشكوى بجدية بخصوص التهديدات على الإنترنت، أو ببساطة في كثير من الأحيان لا يفهمون خطورتها. يُلاحِظ دانييل كيترون أنّ الشُرطة تقول للمشتكيين ببساطة” عودوا لديركم واغلقوا الحاسوب” أو تخبرهم “ الأطفال يظلّوا أطفلا“.

فشلت نتائج التطبيق الحالية في الدعوات الجديدة للوائح أقوى، بما في ذلك القوانين التي تستهدف الكلام بوجه عام، لكن القوانين التي لا تُحدِّد بدقة الخطوط الفاصلة بين التحرُّش والكلام المحمي يمكن في نهاية المطاف أن يُطال الكلام المحمي. بينما يفشل في الحد من سلوك المتحرشين.

الناس القوية والشركات والحكومات واللجان الإلكترونية على الإنترنت، متمرسون في إيجاد أفضل الأدوات للرقابة واستخدامها لخنق الانتقادات والمعارضة. كما أنهم على استعداد تمام لاستخدام أدوات طُورت لغرض ما، سعيا وراء غاياتهم. ( على سبيل المثال، لدينا خبرة طويلة مع حقوق الطبع والنشر وقانون العلامات التجارية التي تُستخدم لخنق الانتقادات والمحاكاة على سبيل السخرية.واقعيا، لدينا”رَدْهَة العار” كلها مُكرَّسة لتلك الاستخدامات الخاطئة.)

من المُرجّح أيضاََ أن يُسبب تنظيم المجهولية على شبكة الإنترنت أضرارا جانبية. خادع أيضا أن نفترض أن القضاء على المجهولية سيُقلل التحرُّش. تجربتنا مختلفة: نرى حاجة كبيرة لحماية قوية للمجهولية على الإنترنت حتى يستطيع أولئك الذين تعرضوا للتحرش، وكذلك الذين يواجهوا العنف الأسري، وانتهاكات حقوق الإنسان، والعواقب الأخرى للتعبير على رأيهم، أن يُجهّلوا أنفسهم على الإنترنت ليقل خوفهم من التحرُّش.لهذا عندما يطلق دعاة قلقين نداءا بتشريعات تهدف إلى مكافحة التحرُّش والتي تتطلب إجبار المواقع على تسجيل كافة عناوين IP الخاصة بالزوار؛ فإن أول ما نفكر به هو القلق حيال هذا التشريع من أن يستهدف الضحايا وليس المتحرشين. مع استراتيجيات مثل هذه، فإننا نُخاطر، ليس فقط بوضع حل المشكلة في متناولنا، ولكن إيذاء بعض الناس ممن نتمنى مساعدتهم.

هذه إحدى الأسباب التي تجعلنا نناضل من أجل توخي الحذر والوضوح في جميع المجالات القانونية التي يمكن أن تؤثر على الكلام المَحمي. .عندما يتعلق الأمر بالتحرُّش على الإنترنت، والذي غالبا ما يستهدف إسكات أصوات بدون بطش، فإن هذا القلق له أهمية خاصة.

نحن نُعارض القوانين التي تحاول التصدي للتحرُّش على الإنترنت ولكنها تفعل ذلك دون مبالاة و مع قليل من الاحترام للخطاب الشرعي. على سبيل المثال، مؤخرا أبطلت محكمة استئناف نيويورك قانون التسلّط عبر الإنترنت، الذي جرّم “مضايقة، إزعاج وتهديد..أو إلحاق أذى مُعتبر على شخص آخر” وذلك لأن نصوص القانون وصلت إلى “ما هو أبعد من التسلّط على الأطفال على الإنترنت” وبعد كل هذا، يمكن أن يكون الكلام المحمي “مزعج” للغاية، لكن هذا بالكاد كاف لإخراجه من القانون.

لكن بالإضافة إلى مقترحات السيئة لحفظ الأمن والنظام العام، نحن نُفكّر في أفضل الحلول القانونية المُمكنة. بالتأكيد إنه من الأفضل تحسين إنفاذ القوانين القائمة بشأن التحرُّش. القلق أن يمتد هذا خارج العالم الافتراضي (كما ذكر أعلاه). نأمل في نهاية المطاف أن تدمج المحاكم واقع الطرق الجديدة التي يمكن أن يستهدف بها الأفراد في قراراتهم وسوابقهم القضائية. وأن تُثقّف وكالات إنفاذ القانون الضباط بانتظام حول التحرُّش على الإنترنت.

بعد سنوات من الخبرة، نحن متشائمون من أن مسودات القوانين تتعامل بوضوح مع التهديدات “السيبرانية” الجديدة أقل من خطابات المزايدة التي تسمح للسياسيين بأن يقولوا أنهم فعلوا شيئا. هذا هو سبب أن هذه القوانين في كثير من الأحيان أسوأ ما في العالمين: هي غير فعّالة إلى حد كبير أو كلياََ في مناقشة التحرُّش، لكنّها ما زالت تٌصاغ بطريقة سيئة جداََ والتي تهدد السلوك المحمي قانونا وتمكن المصالح المتنفذة لرفع دعوى قضائية إثر نزوة أو لمعاقبة وجهات نظر يكرهوها.

كما لاحظ جلين جرينوالد في مقال نُشر مؤخراََ حول كيفية استهداف خطاب العرب والمسلمون على الإنترنت -على وجه الخصوص- بالتحقيق الجنائي “كما بالقانون عموما، تجريم الكلام على الإنترنت استُبقي فقط لأنواع معينة من الناس (الذين لديهم قوة أقل) وأنواع معينة من وجهات النظر (الأكثر تهميشاََ ومعارضة)”. في حين أن هذا قد لا يكون صحيحا دائما، وصحيح في كثير من الأحيان ليكفي أن نقترح الحلول القانونية بحذر شديد.

الشركات سيئة في تنظيم الكلام

أيضاََ نحن نفهم لماذا يتطلع الناس لحلول من قبل منصات الإعلام الاجتماعي الشعبية ؛ لما يحدث فيها من تحرش كثيرا. مرة أخرى، تجربتنا تترك لدينا شكوك حول “الحلول” المركزية التي تديرها شركات.

في الوقت الراهن، معظم المُستضيفين، بما في ذلك منصات مثل فيسبوك وتويتر، يمنعوا التحرُّش في شروط استخدام خدماتهم، لكن لا تتم المراقبة على نحو استباقي. بدلاََ من ذلك فإن هذه المواقع تعتمد على حفظ الأمن والنظام مجتمعياََ أو وضع علامة ، لتحديد وإزالة المحتوى أو حسابات المستخدم المُنتهِك لشروط خدمتهم. وتٌرسَل تقارير لفرق إدارية غالباََ تفتقر للدعم وتُدار عن بعد ويُدفع لهم أقل بكثير من معظم الآخرين العاملين في التقنية. وتُؤخذ القرارات الخاصة بالمحتوى سريعاََ، ومن الشائع لحد ما، إلغاء المحتوى أو الحسابات المُعلَّم عليها عن طريق الخطأ.

في الولايات المتحدة، الشركات عموماََ لديها الحق القانوني للاختيار بين استضافة أو عدم استضافة الكلام على الإنترنت طبقاََ لتقديراتهم. لقد قضينا وقتا طويلاََ في البحث عن كيفية اختيارهم ووجدنا أنه في أحسن الأحوال تبدو ممارساتهم غير مُستقيمة، وفي أسوأ الأحول مُنحازة. الخطاب السياسي والديني مُراقَب بانتظام مثل العُريّ. في فيتنام تُستخدم آليات التبليغ في فيسبوك لإسكات المعارضين. و في مصر سياسة الشركة بخصوص استخدام “الاسم الحقيقي” -التي في ظاهرها تهدف إلى حماية المستخدمين من التحرُّش- استُخدمت ذات مره لازالة الصفحة التي ساعدت في إشعال انتفاضة 2011. وفي الولايات المتحدة أدت سياسات فيسبوك إلى تعليق حسابات نشطاء يعملوا من أجل حقوق المثليين والمثليات وذوي التفضيل الجنسي المزدوج والمتحولين جنسياً.هناك الكثير مثل هذه الأمثلة التي تجعلنا مُتشككين في أن النهج القاسي من قبل الشركات من شأنه أن يُحسِّن الحالة الراهنة من سوء الاستخدام.

المُتصيدون واللجان الإلكترونية على الإنترنت، على الأغلب يُعرَّفوا بأنهم المجموعات البارعة في قذف نار مُركّزة وبكفاءة تجاه الآخرين. وهذا يعني أن الأصوات التي تُواجه التحرُّش يُمكن أن تكون هي المقذوفة من مناقشة على الإنترنت ، حيث أن نفوذ اللجان الإلكترونية تجعلهم يبدون كما لو أنهم راديكاليون وخارج التيار السائد. لتجد مثال على هذا، تحتاج فقط أن تنظر لحكومات مثل الصين واسرائيل والبحرين الذين يوظّفوا مُعلّقين للتأثير في الرأي العام على الإنترنت لصالحهم. وبطبيعة الحال فهناك الكثير من المتصيدين على استعداد للقيام بذلك مجانا.

نحن أيضا قلقون من أن نماذج أعمال مجموعة الشبكات الاجتماعية الحالية التي تتسم بانها شبكات مركزية ومُتناغمة ومتعددة الجنسيات (لكن مقرها الولايات المتحدة) يُحتمل أن تعمل ضد حرية الكلام والأمان الرقمي والحق في الخصوصية لؤلئك المُستهدَفون من التحرُّش. فالتركيز الأساسي للشركات على الإيرادات والأمان القانوني. سيصبح العديدون سعداء بالتضحية بحرية التعبير إذا كانت مكلفة ماديا كثيرا.

اقترح البعض مراجعة الجزء 230 من قانون آداب الاتصالات (CDA 230) للحصول على مزيد من الاهتمام من قبل الشركات في حماية المُستهدفين من التحرُّش. الجزء 230 من القانون ينُص على أن الوسطاء كمُقدّمي الخدمة والمنتديات على الوب ومواقع الإعلام الاجتماعي محمية ضد مجموعة من القوانين التي تٌستخدم لتحميلهم مسؤولية قانونية عمّا يقوله أو يفعله الآخرون. على الأقل هذه المقترحات من شأنها أن تجعل الوسطاء مسؤولون جزئياََ عن أفعال المستخدمين. مثل هذا التغيير يُشكّل تهديداََ للوضع المالي للشركات.

للأسف، بدلا من تعزيز الالتزام بمكافحة التحرُّش، فإنه من المرجح أن المخاطر المالية ستُدمّر مجتمعات الإنترنت. وفي مواجهة خطر هذه المسؤولية فإن العديد من الشركات تختار لفظ جميع أشكال التعبير المثير للجدل من على المنصات، بما في ذلك الغضب المشروع والتنظيم السياسي. على سبيل المثال، أي ذكر لإسرائيل وفلسطين يضع الشرارة الأولى لوابل من التحرُّش ومن ثم الادعاءات القانونية، كم من الوقت يتبقى قبل أن يحظر مقدمي الخدمة الإشارة للوضع السياسي؟ عندما يصبح جذب التحرُّش كنمل يأخذ مكانه في منصة اجتماعية، عندها سيسعى مشغلي هذه المنصات لرفع الغطاء عن المذنبين، أو أنهم ببساطة سيمنعون الجميع من إعلان تجاربهم وتوثيقها.

نقاط بداية لحلول جيدة

نعتقد أن أفضل الحلول للتحرُّش لا تكمُن في خلق قوانين جديدة، أو ارتجاء حفظ أمن مَن يتعرضوا للتحرش من الشركات على أفضل الأوجه . بدلا من ذلك، نعتقد أن أفضل سبيل للتصرُّف سيكون راسخ في لُب الهدف الذي يقوم عليه الإنترنت: اللامركزية والإبداع والمجتمع وتمكين المستخدم.

إنفاذ القانون والقانون

يحتاج إنفاذ القانون إلى اعتراف و وقوف أكثر ذكاءاََ على واقع التحرُّش على الإنترنت ، وعليه يُمكن تحديد التهديدات الحقيقية لسلامة وحماية الناس من الخطر، بدلا من السعي وراء أفراد المجتمع المُنتقدون لتصرفات الشرطة أو الأطفال الذين ينشروا كلمات راب على فيسبوك. المبادئ القانونية التي اختُبرت عبر الوقت (مثل قانون التشهير) يجب تطبيقها بعناية في عالم الإنترنت؛ في الحقيقة ما يقال على الإنترنت لا يُمكن أن يكون محمي كاملا ضد المسؤولية، ولا عذر لخفض سقف تجريم الكلام. و المحاكم يجب أن تكون مرتاحة في التعامل مع الحالات التي تنطوي على سلوك على الشبكة.

تمكين المستخدم، حقا

ينبغي أن يُمكَّن المستخدمين من التحرك من أجل أنفسهم، بدلاََ عن الاضطرار إلى الاعتماد على فرق الشركة لإنفاذ الحماية. أدوات الدفاع ضد التحرُّش ينبغي أن تكون تحت تصرُّف المستخدمين، بدلا من الاعتماد على الإزالة المركزية العدوانية للمحتوى والتي يمكن إساءة استخدامها بسهولة. المنصات تتحمل مسؤولية العمل على مثل هذه السمات، لكننا نتوقع – كما هو الشأن دائما- أن أفضل الحلول ستأتي من المستخدمين أنفسهم.

كيف يمكن للتقنية أن تكون حصناََ ضد التحرُّش؟ من الصعب التنبؤ بابتكار جديد، ولكن هنا بعض الإرشادات التي يمكن أن تُمكّن المستخدم:

  • الأقوى هو تحكم المستخدم في تصفية الرسائل المزعجة. هناك بالفعل وفرة في الأفكار بشأن كيف لموقع أن يسمح بقابلية  أكثر لما يتعلق بإعدادات الحجب. إذا لم تكن المنصات على استعداد لتقديم هذه الحلول، فإنه ينبغي عليهم فتح برامجهم بحيث يمكن للآخرين فعل ذلك.
  • طرق أفضل للرصد المجتمعي الجماعي لسلوك التحرُّش والرد عليه، وليس كما هو الحال الآن، حيث وضع عبئ على أفراد يعملوا على حفظ الأمن والنظام العام لتدفق إعلامهم الاجتماعي.
  • الأدوات الآلية التي تسمح للناس بتتبع والحد من إتاحة معلومات شخصية عنهم على الإنترنت ( بما في ذلك مصادر البيانات العامة) للسماح لهم بالدفاع عن أنفسهم بشكل أفضل ضد التهديدات المتعلقة بممارسات جمع المعلومات الشخصية من الإنترنت ومن قواعد البيانات المتاحة للجمهور ومن مواقع التواصل الاجتماعي.
  • الأدوات التي تسمح للمُستهدفين من التحرُّش بالمحافظة على الأدلة بالشكل الذي يُمكّن نظام التقاضي من تفهمها واستخدامها. تقارير التبليغ عن إساءة الاستخدام الآن مُصممة للعمليات الداخلية للشركات وليست للنظام القانوني.
  • تحسين قابلية الاستخدام لأدوات المجهولية، والحماية بالاسم المستعار. عندما يختار المتكلمين أن يكونوا مجهولون وذلك للحفاظ على أنفسهم من التحرُّش خارج شبكة الإنترنت؛ فإنه يجب أن يكونوا قادرون على فعل ذلك بسهولة ودون الحاجة لمعرفة تقنية عميقة.

كل هذه الحلول التقنية يُجرى العمل بها الآن، لكن ما تحرزه من تقدم يكون محدوداََ في بعض الأحيان بسبب عوامل خارجية. مجموعة المواقع الرائدة مثل تور هي خارج الخوف من إساءة الاستخدام، وبالتالي تحمي المُتكلمين- إلى حد بعيد- من الخوف من مشاركة مواقعهم الجغرافية. منصات الإعلام الاجتماعي تُعيق تطوير أداة جديدة من خلال قفل واجهات برمجة التطبيقات (API) و تقييد الأطراف الثالثة من استخدام محتوى المستخدم.

توسيع نطاق صُنّاع الأدوات

مشرفو مواقع الإعلام الاجتماعيي في حاجة إلى فهم أفضل للتصرفات التي يواجهها الأفراد المُتعرضون للتحرش، وعالم صُنّاع الأدوات على الإنترنت ينبغي أن يعكس تنوع مستخدمي الإنترنت على نحو أفضل. واحدة من أفضل الطرق لفعل ذلك هو ضمان أن كل شخص على شبكة الإنترنت لديه القدرة والحق في الابتكار، على أن تُوسّع الشركات المركزية آفاقهم جدا.

احتضان الخطاب المُضاد

لا يوجد شيئ مُتضارب بين الشغف بحرية الكلام و التحدث علنا ضد التحرُّش. نحن نؤيد الناس الذين يقفوا ويتحدثوا علنا ضد التحرُّش في مجتمعاتنا، وعلى وجه الخصوص من هم قادرون على فعل ذلك دون أن يصبحوا هم أنفسهم عٌرضة للتحرش. توجيه تهديدات عنيفة و الانخراط في اللجان الإلكترونية ليس فعلا نبيلا في حرية الكلام. اتخاذ مثل هذا السلوك هو الشيء الصحيح الذي ينبغي فعله.

انطلاقة إلى المستقبل

ستواصل مؤسّسة التّخوم الإلكترونيّة ثباتها في الدفاع عن حرية الكلام والخصوصية على الإنترنت، لأننا بصدق نعتقد أن تلك القيم تحمي الجميع، بما في ذلك الفئات الأكثر ضعفاََ. أيضا سنواصل انتقادنا للوائح الجديدة ولتسليم حفظ الأمن والنظام العام على الإنترنت لشركات خاصة. سنستمر في العمل لدعم تطوير ونشر الحلول التكنولوجية التي يمكن أن تساعد المُستهدفون من التحرُّش، من خلال النضال من أجل تمكين المستخدم والابتكار والشبكات المفتوحة.سنحاول تقديم المساعدة المباشرة مع نصائح عملية من خلال مصادر مثل الدفاع عن النفس ضد المراقبة، بما في ذلك خلق المصادر التي تتعاطى مع الفئات الضعيفة. نحن نعلم أننا لسنا الوحيدون المعنيون بهذا الموضوع، ونحن سعداء أن هناك العديد من المجموعات والأفراد على دراية بالموضوع و يُصعّدوا من أجل مكافحة التحرُّش على الإنترنت.

منذ تأسيس مؤسّسة التّخوم الإلكترونيّة في 1990، تضافر أناسا من جميع أنحاء العالم معاََ لبناء مجموعة مذهلة من الأدوات التي تسمح بالمزيد من التواصل مع مزيد من الناس أكثر من أي وقت آخر في التاريخ. فوائد هذه الثورة الرقمية هائلة، ونحن لا نزال في البداية. نحن أيضا بدأنا في فهم كيفية التخفيف مضارها. إذا كان الهدف من وجود مُتحرشين على الإنترنت هو إسكات وعزل المُستهدفين، فإننا نعتقد أن أفضل مقاومة تكون في الدفاع عن الحقوق ذاتها التي تسمح لنا بالابتكار والعمل معا والحديث علنا ضد إساءة استخدام الإنترنت.