ضربت صواريخ إيرانية بعيدة المدى مدينة رحوفوت، مستهدفة معهد وايزمان للعلوم، واحدًا من أهم المراكز البحثية للكيان الصهيوني.
لم يكن الاستهداف مصادفة، ولم يكن عشوائيًا. بل كان ضربة رمزية وعملية في آنٍ واحد، موجهة إلى ما يُعتبر العقل العلمي للمشروع الاستيطاني الصهيوني، وإلى واحد من أعمدة البنية التحتية للمعرفة العسكرية والأمنية.
معهد وايزمان ليس مجرد مؤسسة أكاديمية، ولا هو جامعة تقليدية تخرّج طلابًا وتنتج أبحاثًا نظرية منعزلة عن الواقع. بل هو مؤسسة تأسست منذ فترة طويلة، و تحوّلت إلى ما يمكن تسميته بنك معرفة للكيان الصهيوني.
في هذا المعهد تتلاقى أبحاث الفيزياء النووية، والكيمياء الحيوية، وعلوم الحوسبة، والذكاء الاصطناعي، وعلوم الأعصاب. لكن الأهم من مجالات البحث هو موقع المعهد في سلسلة إنتاج التفوق التكنولوجي الإسرائيلي: من الأبحاث النظرية إلى التطبيقات الأمنية، من المختبرات إلى غرف التحكم، ومن التعليم إلى التجسس.
وتوجد علاقة بين معهد وايزمان ووحدة 8200 – الذراع السيبرانية الأقوى داخل الجيش الإسرائيلي – لكنها ليست علاقة تعاون رسمي موثّق في العقود، بل علاقة بنيوية: المعهد يخرّج النخبة العلمية، والجيش يلتقطها ويحوّلها إلى أدوات هيمنة رقمية. آلاف من خريجي وايزمان انتهوا في أحضان 8200، أو أسسوا شركات ناشئة في مجال الأمن السيبراني، ومن بينهم من طوّر برمجيات تجسس، مثل بيجاسوس التابعة لـ NSO Group، وأدوات الهجوم الإلكتروني الصامت التابعة لشركة Candiru، ومنصات الاستهداف السيبراني الجديدة التي تطورها شركة Paragon Solutions.
فعليًا، لا توجد حدود بين ما هو أكاديمي وما هو عسكري في الكيان الصهيوني. فالبحث العلمي نفسه جزء من مشروع السيطرة. مثلاً، الأبحاث في تحليل أنماط السلوك العصبي تُستخدم لاحقًا في خوارزميات تصنيف وتحليل سلوك الأفراد، وتلك التي تهتم بعلوم الصور تُستخدم في أنظمة المراقبة البصرية. حتى علوم الكم والتشفير تُموّل في سياقات مزدوجة، تُمكّن من التحكم في الاتصالات وتفكيك التشفير في ساحة الحرب.
حين ضربت إيران معهد وايزمان، لم تكن تستهدف مؤسسة اكاديمية، بل كانت تضرب مفصلًا من مفاصل البنية العسكرية-العلمية الصهيونية. معهد وايزمان ليس فقط هدفًا استراتيجيًا، بل رمزٌ لنمط جديد من الصراع، حيث لم تعد الحرب مجرد صواريخ وطائرات، بل أيضًا خوارزميات وأبحاث وتجارب فيزيائية. ضربه هو رسالة بأن الحرب امتدت إلى ما كان يُظن أنه خارج ساحة المعركة. إنها حرب على البنية التي تُنتج السيطرة، وليست فقط على أدواتها.