ترامب عايز يصنّع الهواتف الذكية في أمريكا، وبالذات آيفون، ورافع شعار “صنع في أمريكا”. ودا كلام محكوم عليه بالفشل على كل المستويات، لأنه بيتناقض مع منطق الرأسمالية المعولمة في مرحلتها المتأخرة. وده مش مجرد فشل في التنفيذ، ده فشل في الفكرة ذاتها.
فكرة “صنع في أمريكا” نفسها متناقضة مع الواقع الفعلي للرأسمالية الأمريكية نفسها. الشركات العملاقة زي Apple وGoogle وMeta عمرها ما كانت مهتمة بمكان التصنيع، يهمها بس الربح السريع وهامش الربح الأقصى.
الشركات دي قائمة على نموذج إنتاج خارجي، معتمد على استغلال العمالة الرخيصة في الصين والهند وفيتنام، وتفكيك سلاسل الإنتاج عالميًا لتحقيق أقصى كفاءة بأقل تكلفة.
والأهم من كده، إن أصحاب رؤوس الأموال اللي بيمولوا ترامب مش صناعيين، دول رأسماليين طفيليين – شغالين في البورصة والكريبتو والعقارات وبراءات الاختراع والاحتكار، مش في المصانع.
يعني حتى الداعمين اللي مفترض إنهم هيكسبوا من “التصنيع المحلي”، مش مهتمين فعلًا بالإنتاج نفسه، بل بالسيطرة على السوق والربح.
على المستوى المادي: هل الاقتصاد الأمريكي أصلًا مؤهل لتصنيع موبايلات بالكامل؟ الحقيقة إن سلسلة إنتاج الهواتف الذكية موزعة على مستوى العالم بشكل معقّد، من رقائق بتتصنع في تايوان، لمكونات من ماليزيا وكوريا، لبرمجيات من أوروبا، وتجميع في الصين أو الهند. وماظنش فيه بنية تحتية صناعية في أمريكا تقدر تستوعب ده كله.
الرأسمالية الأمريكية نفسها دمرت المهارات الصناعية والفنية، ودا كان نتيجة خيار سياسي واعي اتخذته الرأسمالية الأمريكية من السبعينيات، في سياق التحول النيوليبرالي العالمي، وغالبا كان بهدف تعزيز رأس المال المالي والخدمي، فتم تقليص دور التعليم الفني في إعادة إنتاج الطبقة العاملة الصناعية. وبالتالي حتى المهارات البشرية ما بقتش موجودة.
ومن ناحية تانية: هل العمال الأمريكيين أصلًا مستعدين يشتغلوا بالشروط اللي بتفرضها مصانع الإلكترونيات؟
يعني هل في عامل أمريكي هيقبل يشتغل 12 ساعة يوميًا، في مصنع مغلق، تحت كاميرات مراقبة، من غير تأمين صحي ولا تنظيم نقابي، وبمرتب متواضع؟
اللي بيشتغلوا كده في فوكسكون بينتحروا من الضغط. فأنت يا إما تدفع أجور خيالية، فتفشل اقتصاديًا، يا إما تدفع زي الصين، فتفشل سياسيًا واجتماعيًا.
وكمثال على تصنيع موبايل في أمريكا، فيه تجربة Liberty Phone، تمن الموبايل فيها 2000 دولار، وبيتم تصنيع الغالبية العظمي من مكوناته في أمريكا، لكن بعض المكونات كان بيتم استيردها من دول أسيوية.
كمان الرأسمالية الأمريكية ما بطّلتش تنتج علشان اتجبرت، لكنها اختارت تتخلى عن قاعدة التصنيع الكلاسيكية لأنها لقت في التراكم المالي والهيمنة على السوق العالمية مصدر أرباح أعلى وأسرع من الصناعة.
علشان كده، أي محاولة لإعادة التصنيع المحلي من داخل نفس النظام مش بس مستحيلة ماديًا، لكن كمان ضد المصالح الفعلية للطبقة الرأسمالية الأمريكية. مفيش شركات تقنية مستعدة تبدأ من الصفر وتدخل منافسة صناعية مفتوحة، بعد ما قضت عقود في تراكم الأرباح على حساب العمال في دول الجنوب.
والأهم من كل ده إن محاولة تصنيع محلي كامل في ظل العولمة الرقمية هو قفز عكسي ضد كل شيئ تقريباً. الاقتصاد الرقمي قائم على بنية سحابية عابرة للحدود، فيها الإنتاج والتوزيع والتحديث بيتم بشكل لحظي على مستوى كوكبي. مفيش حاجة اسمها “آيفون أمريكي” بالكامل، دي أسطورة.